مريم الصادق المهدي في حوار مع “مصر 360” (1-2)

الدكتورة مريم الصادق المهدي
الدكتورة مريم المنصورة الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي والقيادية بقوى الحرية والتغيير وزيرة خارجية السودان السابقة

 

 

صراع البرهان وحميدتي يهدد المسار السياسي بالسودان..

العسكريون هم من طبعوا مع إسرائيل وليس السودان..

نسعى لسيطرة مدنية على الجيش

 

بواسطة محمد خيال

27 فبراير 2023

تحظى الأزمة السياسية في السودان باهتمام واسع من جانب العديد من الأطراف الإقليمية والدولية. لكنها بالنسبة لمصر تحظى باهتمام من نوع آخر، كون السودان يمثل الامتداد للأمن القومي المصري من الجبهة الجنوبية بحكم الجوار، وكذا بحكم الروابط الممتدة بين البلدين. فالسودان بالنسبة لمصر يرقى لكونه شأن داخلي والقياس ذاته لما يجب أن تكون مصر بالنسبة للسودان.

“مصر 360” حاور الدكتورة مريم الصادق المهدي وزيرة الخارجية السودانية السابقة ونائب رئيس حزب الأمة القومي، والذي يعد أحد الأحزاب ذات الوزن الثقيل في المعادلة السياسية في السودان. حيث يقف الحوار في الحلقة الأولى منه على آخر التطورات في المشهد السياسي هناك. خاصة فيما يتعلق بمصير الاتفاق الإطاري والمرحلة الانتقالية المقبلة. وأيضًا الموقف الشعبي والسياسي من جانب المكون المدني بشأن التطبيع مع إسرائيل في أعقاب زيارة وزير الخارجية في حكومة الاحتلال إيلي كوهين للخرطوم، ولقاء رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وكيفية تحول الدولة التي احتضنت قمة اللاءات الثلاثة عام 1967 نحو التطبيع الكامل.

كيف تقيمين الاتفاق الإطاري وفرص نجاحه وإمكانية عبوره بالسودان من الأزمة؟

الاتفاق الإطاري هو بالأساس موضوعي وله جدوى حقيقية يستطيع أن يخرج السودان من أزمات متراكمة فجرها انقلاب 25 أكتوبر 2021، إلى مرحلة انتقالية هي نفسها شديدة التعقيد وحافلة بمختلف المخاطر العميقة. لكن لا بد من العبور عبر هذه الفترة الانتقالية للوصول إلى انتخابات، حتى يبدأ السودان في وضع قدمه على طريق الاستدامة والاستقرار السياسي.

في هذا الإطار يمكن القول إن هناك فهما خاطئا؛ لأن المحطة الرئيسية هي العملية السياسية، التي ترتكز على إعلان سياسي بين المدنيين، ليتم إدخال العسكريين في الفترة الأولى التي نتباحث حولها الآن، لإخراجهم [العسكريين] بعد ذلك من الحياة السياسية كما هم وعدوا بأنفسهم. فالاتفاق الإطاري يجمعنا مع العسكريين أولًا، وثانيًا، يؤشر لابتداء العملية السياسية التي تنتهي باتفاق نهائي.

في هذا الإطار أيضًا أتصور أن العملية السياسية مصممة بشكل نظري فيه الكثير من الأسس الموضوعية التي قد تقودنا إلى الأمام. لكن هناك معطيات في الواقع عقدت هذه العملية السياسية وقد تودي بها.

ما هذه المعطيات؟

في مقدمة هذه المعطيات وأساسها الأخطر، الصراع المبطن، الذي بدأ يظهر بشكل واضح بين القائدين العسكريين رئيس المجلس الانتقالي عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي). إذ بموجب هذا الصراع تحدث استقطابات واضحة ما بين القوى السياسية أنفسها من المدنيين عمومًا، والقوى الإقليمية التي لديها اهتمام بالسودان.

لذلك، إذا لم نعمل بصورة جادة وصادقة وموضوعية بشكل بعيد عن المثالية، ستكون العملية السياسية برمتها في خطر حقيقي بسبب هذه الثنائية العسكرية، وهذا هو التخوف الأول الكبير.

التخوف الثاني: نحن حرصنا كمدنيين أن نخرج الساحة السياسية من الحوار غير المجدي الذي أدخلنا فيه العسكريون، بإثارة تساؤل من هم المدنيون الذين يجب أن يشكلوا الحاضنة السياسية للمرحلة الانتقالية القادمة. هذا التساؤل ظل محل شد وجذب. لذا، فإن أهم اختراق تم في هذا الأمر، هو الاتفاق على من يمثلون القوى المدنية التي يجب أن تشكل الحاضنة السياسية للفترة الانتقالية. أي الذين سيوقعون على الاتفاق الإطاري وليس فقط الفاعلون السياسيون.

هنا، يجب التوضيح أن الذين يوقعون على الإطار أو الاتفاق السياسي، ليسوا هم فقط الفاعلون السياسيون. بل كل الحاضنة السياسية. فهناك فاعلون -على سبيل المثال- مثل لجان المقاومة، وهي واحدة من أهم القوى الثورية. ورغم ذلك ليسوا من الموقعين على الاتفاق الإطاري. وكذلك العديد من القوى التي نعترف بثوريتها وليست من الموقعين. التوقيع فقط هو لتشكيل حاضنة سياسية، على غرار تشكيل حزب سياسي للحكومة القادمة. لكن هذا لا يمنع أن يكون للآخرين دور محفوظ في المشاركة.

وفي هذا المسار حرصنا على ألا نقع في الرذيلتين؛ رذيلة الإغراق وهي مسألة معروفة جدًا في الساحة السودانية منذ العهد البائد. حيث يتم تشكيل لجان كثيرة يكون لكل طرف فيها الحقيبة السياسية التي سيحملها، وفي ذات الوقت نتجنب رذيلة الإقصاء.

اتفقنا على تناول الاتفاق السياسي، مع الثلاثة من الكتلة الديمقراطية الذين نعترف بضرورة أن يكونوا جزءًا من الموقعين على الاتفاق الإطاري، ولم يوقعوا بعد، لأنهم كانت لديهم ملاحظات. أما الأمر الآخر الذي نحن بصدده هو: من يوقع ويشكل الحاضنة والقاعدة السياسية. وسنواصل في هذا الإطار الحديث مع الثلاثة من الكتلة الديمقراطية، وسنستمع إليهم ونبحث من يضاف منعًا للإقصاء.

ما هو المدى الزمني الذي يحتاجه السودان لانسحاب الجيش من الحياة السياسية؟

من الممكن أن تكون التقديرات أسهل وأوضح بالنسبة لي، لأن الآن المفاوضات بشأن الاتفاق الإطاري الذي سيقرب البلاد من مرحلة الاستقرار، اقتربت جدًا. وبالتالي أتوقع وآمل أن نعبر معضلة الثنائية العسكرية (البرهان ودقلو) التي أشرت إليها. فأنا لا أرى أي داع أن يتجاوز الأمر أقل من شهر، حتى يتم خلق الكتلة المدنية التي تشكل الحاضنة السياسية التي تتمكن من تشكيل الحكومة.

يبقى لنا أمر السيطرة المدنية الكاملة على المؤسسة العسكرية. وهذه من القضايا الهامة التي سنطرحها في الورشة الخاصة بالإصلاح الأمني والعسكري. وفي هذا الأمر، أقول بوضوح إن هناك تفاوتًا ليس فقط في مسألة الاندماج، ولكن أيضًا في تحديد وزير مدني لوزارة الدفاع، وكيفية تنفيذ وتطبيق ذلك. هذا ما سنطرحه ضمن البنود المطروحة للتوافق في الورشة.

هذا يعني أنه مطروح أن يكون هناك وزير دفاع مدني في الحكومة؟

بالطبع، هذا اُتفق عليه فعلًا. وزيرا الدفاع والداخلية قبل انقلاب 25 أكتوبر كانت تختارهم المؤسسة العسكرية. لكن الآن تم الاتفاق على أن تكون الحكومة كافة مدنية، والمدنيون هم من يحددون وزيري الدفاع والداخلية.

هل تقصدين أن يحددهما المدنيون أم أن يكونا مدنيين؟

أمر أن يكونا مدنيين فقط لم يحسم بعد، فهذه من الأشياء التي تحتاج أن نتوافق عليها بصورة قطعية. لكن تصوراتنا نحن في حزب الأمة القومي أن يكون القائم على وزارة الدفاع شخصية مدنية.

ضاحكة: “حتى أنني أبديت رغبتي في تولي وزارة الدفاع”.

إلى أي مدى تؤثر التدخلات الإقليمية في المشهد السوداني الراهن؟

بقدر ما يكون هناك استقطاب داخلي، تكون هناك مساحة للتدخل الإقليمي والخارجي. أي بلد جبهته الداخلية متماسكة لا يستطيع أي طرف آخر أن يتدخل في شؤونه.

نحن في السودان الآن نعاني من استقطابات وهشاشة كبيرة على مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية. ولكن أشهد بوضوح أن كل ما تم من إجراءات جاء برؤى سودانية، والوثيقة الأساسية المرجعية من نقابة المحامين تمت برؤى سودانية،  حتى الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد، هي بصورة واضحة في إطار التسهيل وليس الوساطة أو أي أمر آخر، حاولت من قبل وضع رؤيتها لكن ذلك انتهى بالزوال.

نحن نعمل على ألا تؤثر الاستقطابات على العملية السياسية التي ستحدد شكل السودان. وهذا كان واحدا من القضايا الرئيسية التي طرحناها مع المبعوثين الدوليين الستة الذين زاروا السودان مؤخرًا. حيث طالبناهم أنفسهم بتوحيد الدور الدولي .

وهذا الأمر ينطبق على الآلية الرباعية التي تضم أمريكا وبريطانيا والإمارات والسعودية.

كان لكم لقاء مع مسئولين مصريين في القاهرة.. كيف تقيمينه؟

نحن في إطار الدعوة الكريمة التي جاءتنا من مؤسسة الرئاسة المصرية للحديث مع حزب الأمة، تحدثنا مع الأخوة المصريين عن ضرورة أن يكون هناك تنسيق لجهودهم تجاه السودان. ولعل عدم التنسيق المصري ظهر بوضوح في إقامة ورشة بهدف شمول الأطراف السودانية المعترف بها في الاتفاق الإطاري. يجب أن تدخل مصر في تنسيق مع القوى الدولية كبديل للعمل المنفرد.

جدوى العمل المنفرد الذي قامت به مصر لم تكن إيجابية كما حدث في تنظيم الورشة هنا في القاهرة، في وقت كنا نأمل من مصر أن يكون دعمها المعلن للعملية السياسية والاتفاق الاطاري في اتجاه نتوافق عليه، وننسقه مع بعض بصورة أكبر.

هل أثرت حالة التنافس الخليجي في الإقليم على الوضع في السودان؟

بالتأكيد. هذا التنافس أثر على السودان خاصة خلال الفترة السابقة التي كان فيها صراع ومواجهة واضحة. لكن الآن لم يعد هناك أثر سلبي، لأننا كقوى سياسية سودانية نقود العملية السياسية ونحن حريصون على التواصل بيننا وبين الأطراف الخليجية. خاصة السعودية والإمارات وقطر. وستجري قوى الحرية والتغيير خلال الأيام المقبلة جولة تشمل الدول الثلاث، إضافة إلى دول الجوار؛ مصر وإريتريا وتشاد وإثيوبيا.

كيف تحولت الخرطوم مؤخرًا من “اللاءات الثلاثة” إلى التطبيع مع إسرائيل؟

السودان لم يتحول. هناك شخصيات سودانية متنفذة وقابضة على زمام الأمر، خاصة الشخصيات العسكرية، التي رأت في التطبيع طريقًا مختصرًا لإنهاء بعض مشاكل السودان. حدث هذا في المرة الأولى عام 2020، وساعدتهم موجة التطبيع في الدول العربية.

وبالنسبة للسودان، فإننا لما كنا في صراعات داخلية بين العسكريين والمدنيين، وجد العسكريون في التطبيع مع إسرائيل تعزيزًا لموقفهم دوليًا. خاصة حينما جعلت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ذلك شرطًا لرفع السودان من قائمة العقوبات.

لكني أؤكد أن هذا التطبيع في السودان منذ اللحظات الأولى وإلى اليوم يسير بتعتيم وسرية شاملة، وهذا أحد أهم أسباب رفضه، فالسودان ضميره قائم على أن إسرائيل دولة معتدية وغاصبة ومصدر خطر دائم.

تقصدين أن التطبيع مع إسرائيل لم يُفعل على الأرض داخل السودان؟

للأسف، بدأت شركات زراعية إسرائيلية -وبصورة غير رسمية- العمل داخل الأراضي السودان. هذا أمر في غاية الخطورة، كون السودان يمتلك أراضي عظيمة خصبة، يمكن أن تتحول إلى سلة غذاء للعالم العربي كله، الآن باتت تحت تصرف تلك الشركات.

لذلك، نتحدث بوضوح عن ضرورة تشكيل حكومة مدنية تسيطر على الوضع في السودان. خاصة أن وزير الخارجية الإسرائيلي قال عقب زيارته للخرطوم مؤخرًا، إنهم ينتظرون السلطة المدنية لتوقيع اتفاق التطبيع. وأنا هنا أشدد أنه لا علاقة للمدنيين بما يدور بين إسرائيل والعسكريين السودانيين.

لو أن هناك حسنة واحدة لانقلاب 25 أكتوبر 2021 فهي أنه ربط الانقلاب والحكم العسكري بالتطبيع مع إسرائيل. وهذا أفضل ما فعله حقًا. حيث أعاد للشباب التمسك بشعارات الثورة: حرية- سلام- عدالة، وهي معان ثلاثة تنتهكها إسرائيل كل يوم.

 

 

مصر 360