محاضرة الدكتورة مريم الصادق المهدي:- سد النهضة: التحديات وآفاق الحلول

الدكتورة مريم الصادق المهدي
الدكتورة مريم المنصورة الصادق المهدي وزيرة خارجية السودان

 

 

وزيرة الخارجية: حل قضية سد النهضة يجب ان يرتكز على التعاون والتوافق

إستضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع معهد الدوحة للدراسات العليا محاضرة قيمة بعنوان: سد النهضة: التحديات وآفاق الحلول للدكتورة مريم المنصورة الصادق المهدي وزيرة خارجية السودان وكان ذلك يوم الخميس 17 يونيو 2021 بالدوحة قطر.

***

كُتب من مقطع فيديو للمحاضرة

 

 

المركز العربي  للأبحاث ودراسة السياسات:- بسم الله الرحمن الرحيم. تحياتي للجميع، أرحب بكم في هذه المحاضرة التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع معهد الدوحة للدراسات العليا عن أزمة سد النهضة الإثيوبي، عنوان المحاضرة طبعاً… سد النهضة: التحديات وآفاق الحلول. وأنا اعتقد مافي وقت مناسب أكثر من هذا الوقت للحديث عن هذه الأسباب التي تهدد بطبيعة الحال إلى كما تابعنا خلال اليومين الماضيين إذا استمرت في التطور إتجاه التأزيم إلى أن تتحول إلى واحدة من أخطر الأزمات التي تهدد منطقة وادي النيل والقرن الأفريقي. لذلك لا اعتقد أن هناك أنسب من هذا الوقت للحديث عن هذه الأزمة. واعتقد أن ليس هناك أفضل من يحدثنا عنها من ضيفتنا في هذه المحاضرة التي نرحب بها بإسم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا، معنا سعادة الدكتورة مريم الصادق المهدي وزيرة خارجية السودان، وطبعاً الدكتورة مريم أغنى من أن أعرفها، اسمحوا لي مع ذلك أن أعطيك نُبذة قصيرة عن سعادة وزير الخارجية البتحدثنا اليوم عن أزمة سد النهضة التحديات وآفاق الحلول.

الدكتورة مريم الصادق المهدي تشغل منصب وزيرة خارجية السودان منذ شباط\فبراير عام 2021، وهى نائبة رئيس حزب الأمة القومي في السودان منذ عام 2014، وعضو منتخب في المكتب السياسي للحزب منذ العام 2000، تولت خلال هذه الفترة العديد من المناصب البارزة في الحزب أهمها رئيس قطاع تنمية المرأة خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2003، ورئيس لجنة الإعلام في الفترة من عام 2002 إلى 2003، ورئيس دائرة الإتصال ومسؤولة عن مكاتب الإعلام والمعلومات والعلاقات الدولية والتواصل مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني خلال الفترة من عام 2003 إلى 2011. طبعاً أنا عندي لستة طويلة من الCV للدكتورة لكن إختصار للوقت أنا التقيت فقرات من الCV تبع الدكتورة. برحب فيها مرة ثانية وحأترك المجال لها في الحديث عن موضوع سد النهضة التحديات التي تواجه دول حوض النيل وآفاق الحلول.

إتفضلي يا دكتورة يا مرحباً فيكي.

محاضرة بعنوان: سد النهضة: التحديات وآفاق الحلول

تقديم الدكتورة مريم المنصورة الصادق المهدي

وزيرة خارجية السودان

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالتعاون مع معهد الدوحة للدراسات العليا

الخميس 17 يونيو 2021

الدوحة قطر

 

الدكتورة مريم المنصورة:- شكراً جزيلاً يا دكتور، بارك الله فيك.

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله القائل: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [1]، والصلاة والسلام على النبي القائل: الناس شركاء في ثلاث، الماء والكلأ والنار [2].

أُرحب بكم جميعاً، وأشكر لكم في المركز العربي ومعهد الدوحة تنظيم هذه المحاضرة والإطلالة بالنسبة لي مهمة جداً على إحدى أو إثنين من أهم المراكز البحثية هنا في الدوحة أو بالتأكيد عندها حضور قوي في الفكر والحضور في الرأى والسياسات، وهذا أمر نحتاجه جميعنا.

نحن لدينا في عالمنا عموماً مشكلة في تناول قضايانا لأننا لا نطلع على كل الحقائق ولا الخيارات المتاحة لنا ولغيرنا بالتالي نتعامل في الغالب بردود الأفعال، ردود الأفعال بتكون غاضبة، غاضبة بحق، ولكن الغضب بناءاً على توصية نبينا: لا تغضب [3]. فنحن لا نحول تلك الطاقة الغاضبة لطاقة بناء حتى الآن، ننغمس في الإحساس بالغضب، والرد على الآخر، والإحساس بالمؤامرة، وفكر المؤامرة والتآمر علينا. لذلك مهم جداً أن نستغرق، نستهلك بعض الوقت في التفكير في واقعنا، كيف نغيره في المستقبل؟

بالتأكيد الدراسات المستقبلية هى ما يعوزنا بصورة خطيرة أصبحت الآن لأن العالم كله يخطط لمنطقتنا، منطقة مهمة، منطقة تلاقح حضارات منذ الأزل، يعني منذ بداية التاريخ، منطقة مهمة بالموارد المتجددة وغير المتجددة، بالتالي بالطبيعي أن يكون للعالم دور في تخطيط بهذه الموارد لأنه من المعلوم بالضرورة إنه هذه الموارد الذي يحتويها كوكب الأرض هى إن لم تكن محدودة فهى حتى الآن بواقع تغيرات مناخية ساهم فيها البشر هى متناقصة بينما البشر يتزايدون بصورة كبيرة، بالطبيعي أن يكون أصحاب القدرة وأصحاب الفعل أن يخططوا لأنها موارد يحتاجها كل البشر.

فلذلك مرة أُخرى لا أستطيع أن أغرظ ما يكفي أو أُعلن عن غبطتي بما يكفي للمشاركة في واحد مثل هذه المراكز المهمة للفكر والتفكير الذي لا غنى لنا عنه.

ايضاً من المعلوم والمنشور في كل المواقع إنه الصراعات والنزاعات حول الموارد المائية خاصةً الأنهار العابرة للحدود الهى الأنهار الدولية، هو أمر معلوم، وصحيح هناك تجارب ناجحة بالتأكيد سأُشير إليها ولكن توقع وجود مزيد من الصراعات حول هذه المياه، والأنهار في آسيا جنوبها، وجنوب الغربي في أمريكا الشمالية، في الأجزاء الشمالية من أمريكا الجنوبية، في جنوب البلقان ومختلف أرجاء أفريقيا.

هناك مخططات معلومة الآن لمشاريع تقوم بها بعض الدول في هذه الأنهار العابرة للحدود بدون إتفاق مُلزم مُسبق، هذا مع وجود عوامل سياسية وبيئية وإقتصادية وإجتماعية تؤجج عوامل النزاع والصراع في تلك المناطق، بالتالي عندما نتحدث عن سد النهضة، هو حديث مهم في منطقة مهمة تهمنا جميعاً وتهم العالم العربي بصورة مباشرة، ولكن هى ايضاً فتح حوار وفتح رأى وتلاقح في قضية بلا شك العالم منزلق إلى المزيد منها.

فذلكة بسيطة عن سد النهضة:

  • سد النهضة سد من أكبر السدود المتوقع أن تُنتج كهرباء في أفريقيا.
  • وهو سد لم يبدأ فيه التفكير حديثاً، التفكير فيه منذ سنوات عديدة على الأقل منذ ستينيات القرن الماضي.
  • وبدأ العمل فيه بصورة مباشرة منذ عام 2011.
  • كان بمؤازرة كبيرة من السودان لإثيوبيا منذ بداياته الأولى ليس فقط إيماناً بحق إثيوبيا في الإستثمار في المورد المائي المهم النيل الأزرق وإنما ايضاً لما نعلمه من فوائد كبيرة فيه للسودان.
  • والسودان ساعد إثيوبيا بصورة ثنائية منذ البدايات الأولى في القضايا اللوجستية، نحن ساهمنا معهم لوجستياً ومالياً.
  • ساهمنا فنياً بمشاورة وشورى المهندسين السودانيين. دعمناهم سياسياً ودبلوماسياً ايضاً.

كانت هناك تحفظات من الشقيقة مصر لأسباب معلومة وعديدة، ولكن أفلح السودان إنه بنوع من التوسط بين جارتيه، الجارة الشمالية والجارة الشرقية، الإثنين يجمعنا بهم مصالح مهمة جداً وعلاقات إستراتيجية وترابط إقتصادي وإجتماعي كبير، أفلحنا في أن يكون هناك توقيع لإعلان للمبادئ مُلزم للدول الثلاثة منذ مارس 2015.

أهم ملامح الإتفاق كان بيتحدث بصورة أساسية وكل المعاني تأتي من القانون الدولي، ولعلكم جميعكم تعلموا إنه مسألة إدارة الأنهار بتصوغها مبادئ قانونية دولية راسخة الهى أشد رسوخاً على مستوى العُرف وتم صياغتها في معاهدة من الأمم المتحدة في عام 1997، نحن لم نوقع عليها ولا واحدة من الدول الثلاثة ولكن كما ذكرت هى المبادئ الفيها كعُرف دولي، وأنتم جميعاً تعلموا قوة العُرف في القانون ومؤاته. المهم في الأمر هناك مبادئ أو أساسيات أربعة إنبنت عليها ذلك الإعلان، إعلان المبادئ 2015.

بالتأكيد الإستعمال المنصف والعادل لكل الدول المتشاطئة في النهر الدولي وهنا نتحدث عن الحوض الشرقي للنيل الأزرق الذي ينبُع من مرتفعات إثيوبيا.

المسألة الثانية هو عدم التسبب في الضرر لبقية الدول، ودا مبدأ أساسي.

ايضاً أهمية وضرورة إخطار ومشاركة المعلومات الخاصة بالملء والتشغيل للسد.

وايضاً المسألة الأخيرة هى أن يكون هناك… كل الخلافات تُحل عن طُرق سلمية. نحن تبعنا ثلاثة مستويات بالنسبة لإعلان المبادئ. المستوى الأول أن يكون هناك تفاوض مباشر وهذا ما تم طيلة الأعوام من 2015 وصولاً إلى نهايات 2019.

المسألة الثانية إعتبار وإعتماد ال facilitation أو التسهيل وال mediation الوساطة.

وهذا ما قامت به ولأول مرة بطلب من مصر بموافقة البلدين الأخريين، قامت به أمريكا بإدارة ترمب في الفترة ما بين نوفمبر 2019 حتى أوائل العام 2020 حيث توقفت إثيوبيا وقالت بأن هناك أسباب داخلية تختص بالإنتخابات لا تستطيع المواصلة. ولكن من المهم جداً في هذه الفترة إنه تم إنجاز جُل القضايا الفنية وتبقت بعض القضايا القانونية ولكن لم يُوقع إتفاق مُلزم. أنا عندما أقول في السابق كان الناس بيتحدثوا بإستسهال إنه تم إنجاز ما بين 90-95% من القضايا، هو صحيح من حيث الرقم لكن اتضح لنا إنه ال 10 ولا ال 5% ديل مسألة مهمة جداً وخطيرة جداً لا يمكن الحديث عنها بمجرد الأرقام.

المدخل الأخير في حل الإختلافات هو اللقاء المباشر ما بين رؤساء الدول ورؤساء الحكومات وهذا تم في عدد من المراحل آخرها بصورة مهمة جداً كان عندما تعطلت المفاوضات وتعثرت بعدم حضور إثيوبيا، المبادرة المهمة التي تقدم بها رئيس وزراء السودان السيد الدكتور عبد الله حمدوك في أوائل العام 2020، وفعلاً إستجابوا له البقية ونتيجة الأمر صيغت ما أُسميت بال Augmented Committee اللجنة المحفزة، واللجنة المحفزة أهم ما فيها ولأول مرة أسمت مراقبين دوليين، المراقبين الدوليين الثلاث، كل واحدة من الدول الثلاث أسمت واحدة من الجهات، نحن في السودان أسمينا الإتحاد الأوروبي، مصر أسمت الولايات المتحدة الأمريكية وإثيوبيا أسمت جنوب أفريقيا. هذا لاحقاً مباشرةً تقدم رئيس جنوب أفريقيا وكان هو آنذاك رئيس الإتحاد الأفريقي بمبادرة أن يرعى المفاوضات وهذه أول مرة ايضاً دخل وساطة بصفة دائمة بالصورة التي تمت منذ منتصف سنة 2020 في  يوليو تحديداً 2020. الوساطة الأفريقية قامت بمجهود مُقدر ولكن لم يكن هناك منهجية واضحة كما أوضح لنا مؤخراً السيد موسى فكي، لأنه بيعتقد وهو رئيس المفوضية الأفريقية، إنه الأمر أُدخل إلى الإتحاد الأفريقي بصورة غير الصورة المؤسسية لأنه مفترض أن يكون هناك وجود للمفوضية. ولكن على أىٍ كلنا وافقنا.

مضت هذه المفاوضات لمدة 200 يوم، مئتين يوم للأسف لم ننجز فيها بل تراجع، تم تراجع من قِبل مصر ومن قِبل إثيوبيا في عدد من المواقف الكانت تم الإتفاق عليها مُسبقاً، لذلك نحن في السودان أعلنا بوضوح في بدية العام أنه لا يمكن المُضي في هذه الوساطة بهذه الصورة خاصةً وإنه الوساطة قامت بمجهود مُقدر من تسمية عدد من الخبراء الأفارقة المستقلين، التقرير الذي تقدم به هؤلاء الخبراء بعد فترة من المدارسة والدراسة لم توافق به إلا السودان، الدولتين مصر وإثيوبيا رفضوا التقرير وتوقف الأمر عند هذا الحد، وهناك تراجع في المواقف.

لذلك السودان منذ بداية العام تحدث بصورة أساسية الأمر ليس أمر مشكلة قانونية ولا مشكلة فنية، إنما المشكلة إنعدام الإرادة بصورة كاملة خاصةً من الطرف الإثيوبي في الوصول إلى أى حل، لأنه أمر السد نفسه تحول إلى تعبئة سياسية شعبوية خاصة بالإنتخابات، خاصة بالأوضاع الداخلية في إثيوبيا والتي كلكم تعلموا كيف تعقدت منذ العام الماضي في المواجهات التمت ما بين الحكومة المركزية وما بين إقليم التقراي وما نتج عنها من معاناة إنسانية هى الآن مراجعة ومتابعة كل العالم وملاحقة إثيوبيا في هذا الأمر. لذلك أصبح أمر السد وضعه السياسي في المقام الأول هو أمر يحتاج إلى إرادة سياسية، إلى ضغط سياسي.

تقدم السودان بأن يكون نعم التفاوض بوساطة الإتحاد الأفريقي ولكن يكون معه الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ولاحقاً في آخر مفاوضات في كينشاسا تقدمت إثيوبيا بأن يكون ايضاً مع المراقبين جنوب أفريقيا ورحب بالأمر السودان ومصر، بالتالي هذه الوساطة القوية العندها القوة اللوجستية، القوة القانونية، القوة السياسية في الدفع، هى ما تقدم به السودان ووافقت مصر وللأسف رفضت إثيوبيا.

الأمر الخطير الذي حول الموازين ايضاً بصورة مهمة جداً، نحن في السودان كما بدأت الحديث نعلم تماماً أهمية السد لإثيوبيا وأهميته للمنطقة جميعاً، وأما في السودان فلدينا مكاسب معروفة وموثقة وقلنا بها في السابق ونقول بها الآن. أولاً: السد يعمل على حماية السودان من الفيضانات، نهر النيل الأزرق تقريباً كأنه نهر موسمي من شدة إندفاعه ما بين شهرين يوليو وسبتمبر شهر 7 إلى 9، كثير من المياه تمشي منصرفة عننا لأننا ليس لدينا ما يكفي من السدود لنحتفظ بحصتنا التي تم التوافق فيها مع مصر في إتفاقية منذ 1959 أن يكون لمصر حوالي 57 مليار متر مكعب وأن يكون للسودان 18 متر مكعب، حتى الآن لم نتمكن من أن نحتفظ بكل حصتنا ال 18 مليار متر مكعب. وبالتالي حمايتنا من الفيضان ايضاً يعني إنسياب النيل بصورة تُتيح للسودان أن يستفيد من كل مياهه في على عامل السنة.

ايضاً من المهم جداً الإشارة إلى إنه نهر النيل الأزرق أهميته ليس فقط في كم المياه البيندفع بها ودفعه للنيل الكامل إنما ايضاً 70% من المشاريع المروية في السودان والتي يقوم عليها التخطيط الإستراتيجي للمحاصيل الإستراتيجية، والسودان كما تعلموا أحد المرجعيات الأساسية للأمن الغذائي ليس فقط لمنطقته وجواره الإقليمي إنما ايضاً للعالم العربي بحسب إتفاقات جامعة الدول العربية في المؤتمر الإقتصادي في مؤتمر الرياض. لذلك هو نهر مهم جداً بالنسبة لنا أن يكون هناك إنتظام في إنسيابه، والسد يوفر لنا هذا الأمر، هذا بجانب توفير الكهرباء ورفع الطاقات في الإنتاجية الكهربية داخل السدود السودانية.

ولكن المهم جداً في الأمر إنه ايضاً السد يُشكل ضغط على سدودنا لأنه أقرب سد لسد النهضة الإثيوبي هو سد الروصيرص الذي يبعُد فقط 100 كيلو متر، الأمر هذا بجانب إنه سد رملي مسألة تشغيله تتوقف جداً على السد المُقارب له الهو سد النهضة الذي يبلغ حجمه 74 مليار متر مكعب بينما يبلغ سد الروصيرص 7 مليار الهو أقل من عُشر السد. بالتالي معرفة كيفية الملء وكيفية التشغيل مسألة حيوية لسلامة السد، السد السوداني الروصيرص، ولسلامة تشغيله لكل هذه المشاريع المهمة.

لم يكن في الحُسبان أنه مع كل الدعم وكل العلاقة القوية وكل الثقة الكبيرة التي أنتم تعرفوا كيف كانت العلاقة السودانية الإثيوبية ظهرت حتى فيما بعد الثورة، رئيس الوزراء كان أحد الوسطاء ما بين العسكريين والمدنيين شركاء الثورة السودانية، وكيف أُستقبل في يوم توقيع الوثيقة، علاقاته القوية مع رئيس الوزراء السوداني ومع عدد من القيادات السودانية، كل هذا ما كان في الحُسبان أن تطعن إثيوبيا السودان في ظهرها، ولكن للأسف هذا ما حصل في العام الماضي في الملء الأول. في الملء الأول لم يتم مشاركة المعلومات معنا، ولا في التوقيت، ولا في الكيفية، مع إنه نعم هناك إتفاق ما بين الفنيين أن يكون الملء خلال 7 أعوام، وأن يكون الملء الأول مثلاً 5 مليار وأن يكون الملء الثاني 13 و5 من 10، وهكذا طيلة السبع أعوام، ولكن بخطاب متبادل ما بين وزيرى الري السوداني والإثيوبي، رفض الجانب الإثيوبي أن يُعلن للجانب السوداني أى معلومات إلا بوجود إتفاق مُلزم قانوني. وكذلك لم يُكلف خاطره أو نفسه السيد آبي أحمد أن يرفع سماعة التلفون ليُخطر صديقه رئيس الوزراء السوداني أن هناك ملء سيحدث.

إذاً مسألة تحول السد لخطر وسلاح، إمكانية أن يكون سلاح ضد السودان تم بواقع الأمر، وهذا تم منذ العام الماضي. هذا بالتأكيد تسبب في قضايا خطيرة على المستوى الإقتصادي في الزرع والضرع تأثر عطش في العاصمة الخرطوم لأيام تفجرات سياسية بمظاهرات وإتهامات للحكومة بالعجز وعدم القدرة وغيرها. أنا لا شك لدي أنه هذا واحد من الأسباب التي بموجبها سقطت الحكومة الأولى وجاءت الحكومة الثانية الهى أنا أحد الوزراء فيها. ولكن أهم إصابة تمت بموجب هذا الملء هو كان الهزة العظيمة في الثقة ما بين السودان وإثيوبيا.

هذا الأمر جعل بالتالي الحديث في السودان بصورة مهمة جداً أننا لا يمكن أن نمضي في هذا الأمر إلا بإتفاق مُلزم وقانوني. هنا تم تلاقي كامل مع الرؤية المصرية، لذلك هناك تم توافق سياسي على مستوى الرئيس المصري ورئيس المجلس السيادي في السودان، ما بين رؤساء الحكومتين دكتور حمدوك ودكتور متبولي، وبالتالي أهمية التنسيق للوصول قبل الملء الثاني لإتفاق مُلزم وقانوني. هذا محور مهم جداً وأساسي في التنسيق الذي يدور ما بين مصر والسودان، نعم في محتوى الإتفاق هناك إنشغالات، نسميها إنشغالات فيها إختلاف ولكنها كلها تقع في موقع السد، سد النهضة من البلدين المعنيين.

معلوم مصر لديها حماية كبيرة جداً من السد العالي الذي في حجمه مرتين ونصف حجم سد النهضة ولكن الأهم إنه يبعُد 2000 كيلومتر من سد النهضة، لذلك مصر مشغولة بأن يكون كيف علاقة الملء ما بين السدين عندما يكون هناك جفاف طويل وممتد. إثيوبيا مشغولة بإنه كيف يكون حقها في المشاريع المستقبلية لو أرادت أن تقيم مشاريع مستقبلية في النهر. السودان مشغوليته واضحة كما فصلت كيفية التواصل لإتفاق حول الملء بمراحله المختلفة والتشغيل ليس فقط اليوم حتى على المستوى البعيد لأنه بغير هذه الصورة لا يستطيع السودان أن يخطط وهو الآن ينطلق في الفضاء في العالم بعدما إنتفتح له العالم بإزالته من قائمة الدول الراعية للإرهاب بالإنجازات المهمة حول الديون بعد مؤتمر باريس يمضي في شراكات دولية لأن يكون قوة إقتصادية ليس فقط إقليمية إنما ايضاً عالمية. من أهم المداخل في هذا الإستثمار وهذه الشراكات هو قدرة السودان الزراعية التي تفوق 200 مليون فدان من الأراضي الخصبة، بالتأكيد بتتوقف على الماء جزء مهم منها كما أسلفت ال70% هو الجزء المتعلق بالنيل الشرقي والهو النيل الأزرق.

لذلك من المستحيل أن يكون هناك تهاون في هذا الأمر ليس فقط لأنه بيعمل على تهديد أمن الناس لأنه لا نعلم ما يدور. مثال بسيط في الإسبوع الماضي هناك سد ايضاً من الأنهار القادمة من إثيوبيا سيتيت في عندهم سد إسمه سد تكيزي أغلقوه منفردين منذ نوفمبر الماضي، قبل إسبوع أخطرونا إنه خلال ثلاثة أيام سيفتحوا هذا السد، إضطررنا أن نُعلن للمواطنين عبر الإعلام أن يُخلوا ضفاف النهر لأنه حيكون في فيضانات وغيرها وهذا ما حدث. بالتالي نحن مرتين شاهدنا كيف إنه بيتم إستعمال القدرة المائية في شكل ترويع للسودان.

لذلك الأمر أمر ما نُركز عليه أن يكون هناك إتفاق مُلزم وقانوني حول الملء والتشغيل أمر مهم للحياة اليومية بجانب إنه حق إنساني، بجانب إنه إلتزام قانوني دولي، بجانب إنه إلتزام بموجب إعلان المبادئ الموقع من 2015، بجانب إنه أحد أُسس حُسن الجوار. عليه نحن الآن ماضون في الضغط السياسي والدبلوماسي لحماية حقوقنا بكافة الوسائل المدنية والسياسية والدبلوماسية. نرفض تماماً الإنزلاق في أى مواجهات عسكرية. وهذا موضوع آخر يمكن في الحديث في النقاش نتكلم فيه موضوع الفشقة والحدود وغيرها وترابطها مع هذا الأمر. موضوع الفشقة والحدود أمر مهم وكان مُنفصل من موضوع السد ولكنه بواقع الأمر أصبح شديد الترابط خاصةً والموضوعين من جانب إثيوبيا بيتم تداولهم في شكل تعبئة سياسية في إطار الإنتخابات التي متوقع أن تجري يوم 21 هذا الشهر. نحن في أمر أرض الفشقة معلوم السودان عنده 7 دول حدود معها، الدولة الوحيدة الحدود مخططة منذ عام 1902 بموجب إتفاقية ورُسمت على الأرض في عام 1903 هو الحدود السودانية الإثيوبية. وبالتالي صحيح نعلم إنه وبموجب هذه الإتفاقية وبشرط في هذه الإتفاقية أُعطيت أرض بني شنقول التي يُقام عليها السد الآن بعطاء من المستعمر البريطاني للملك الإثيوبي بشرط أن يكون أى إستثمار أو أى مشاريع تعمل على وقف الماء أو تغيير الماء في النيل الأزرق أو في بحيرة تانا بموافقة الحكومة السودانية أو بموافقة الحكومة البريطانية، ولكن مع مر السنين بدأ الجانب الإثيوبي يتحلل بإنه من قام بالترسيم في 1903 كان مكلف فقط من الجانب البريطاني.

هناك دراسة مهمة للبرفيسور عبد الرحمن علي طه حول هذا الأمر بتفصيله وبوثائقه. الأمر موثق كيف إنه الملك الإثيوبي ايضاً كلف هذا الماجر البريطاني وقام بالترسيم وتم التوافق على هذا الترسيم. صحيح عبر السنوات تراجع الجانب الإثيوبي ولكن في عام 1972 وفي أجواء من العلاقات الطيبة ما بين السودان وإثيوبيا، تم التوافق على الترسيم الذي تم عام 1903 بل تم نوع من التغيير أعطى مزيد من الأراضي لإثيوبيا حيث أعطى ثلاث من الجبال الكان مفترض يمر الخط عبر القمم بتاعاتها إلى إثيوبيا وإثنين إلى السودان. هذا الأمر تم عام 1972، عام 2022 سيُكمل هذا الإتفاق 50 سنة، الجميع يعلم إنه 50 سنة من العُرف الدولي، في العُرف الدولي إذا لم تطالب الدولة بأراضيها بتكون بالعُرف كذلك هى تابعة للدولة التي معلوم إنها بتستغل هذه الأرض. المهم جداً ايضاً في إتفاقية 1972 إنه تم الإعتراف بوجود 52 مزارع إثيوبي يتوجب على الدولتين أن يراعوا مصالحهم. للأسف منذ عام 1972 حيث توافق الناس أن يكون الطرفين إنه يكون في لجنة مشتركة تعمل على تنزيل هذا الإتفاق إلى أرض الواقع، دخل السودان وإثيوبيا في مواجهات عديدة، وفي النظام البائد صحيح تصلحت العلاقات بصورة كويسة وجيدة ولكن معلوم للكافة إنه منذ عام 1995 بمحاولة الإغتيال الفاشلة للرئيس المصري في إثيوبيا وإخلاء للجيش السوداني من مواقعه في منطقة الفشقة لإن ينصرف في قتال شعبه في الجنوب، تمدد الوجود الإثيوبي صحيح للمزارعين لكن المزارعين مدعومين بما يسموا بمليشيات معروفة تُسمى بالشفتة. هذا التمدد في صمت كامل من النظام البائد، تمدد ايضاً عندما تزايد وبدأ الجيش السوداني يحاول إسترجاع بعض مواقعه بعد إتفاقية السلام كان هناك نوع من عدم الإهتمام بالأمر من السلطة المركزية لأنه أصبح دور إثيوبيا بالنسبة لهم مهم جداً في دعم موقف الرئيس المخلوع في مطالبات محكمة الجنائيات الدولية. بالتالي هذا الصمت تم صحيح بنوع من التغاضي السوداني. نحن فيما بعد الثورة لم نسارع بالمطالبة، علاقاتنا طيبة مع إثيوبيا، ولكن في العم الماضي عندما طلب رئيس الوزراء آبي أحمد من رئيس مجلس السيادة السوداني أن يقوم الجيش السوداني بإغلاق الحدود السودانية الإثيوبية لأنهم عندهم عمليات في منطاطق التقراي، مع النُصح له إن هذا الأمر لا يحل القضايا السياسية إلا إنه الجيش السوداني قام بواجبه تماماً حيث أغلق الحدود السودانية الإثيوبية كلها وليس الحدود السودانية الإثيوبية في الشمال الجهة الشمالية فقط، وهذا هو واجب الجيش السوداني الذي يدفع له الشعب السوداني ويدربه الشعب السوداني ليقوم بهذا الواجب. حتى الآن جيشنا موجود في مواقعه، أكثر المواقع تقدماً هى بتبعد حتى الآن 7 كيلومتر من حدودنا المعلومة والمرسومة حتى الآن. لا ننوى البتة أن يكون هناك أى عمليات عسكرية، ولا أى مواجهة عسكرية مع إخوتنا في الشرق، ولكن بالتأكيد الجيش في أى هجوب على الأراضي السودانية يجب عليه أن يقوم بواجبه. الوضع الآن في الأراضي صحيح فيه بعض التوتر خاصةً في الفترة الأخيرة، ولكن الجيش السوداني تمكن لأول مرة أن يحمي وجوده بإنشاء جسور عبر نهر سيتيت العادةً كان بيفصل القوات بالتالي يسهُل الهجوم عليها من الجانب الإثيوبي، هناك جسور دائمة وجسور متقلة أُقيمت بدعم مُقدر ومساعدة مثمنة من إخوتنا في مصر، هذا هو الواقع.

نعم نحن نعلم تماماً الواقع الضاغط على إثيوبيا حيث أن الآن تقدير عدد سكانها 115 مليون نسمة يتوقع خلال ال30 سنة القادمة أن يتزايدوا بدرجة تجعل إثيوبيا ثامن دولة من حيث السكان في العالم، فبالتالي هذا أمر يهمنا جداً، يهمنا يكون هناك إستقرار وأمن في إثيوبيا، كما في مصر، كما في تشاد، كما في ليبيا، كما في جنوب السودان، كما في أفريقيا الوسطى، كما في القارة، كما في منطقتنا كلها، كما في العالم. وفي هذا الأمر نحن منفتحون جداً لأن تكون هناك معادلات كسبية.

لذلك هذا النقطة الأخيرة، آفاق الحلول.

آفاق الحلول: بالتأكيد النزاعات والتنازع فكرة غير ذكية وفكرة لا يمكن أن تستمر ولا تكون في مصلحة إثيوبيا ولا مصلحة مصر ولا مصلحة السودان ولا مصلحة المنطقة.

لذلك نحن نرى في سد النهضة إمكانيته الكبيرة جداً في أن يكون عامل إستقرار وعامل تعاون وعامل نجاح أفريقي آخر… هناك تجارب أفريقية ناجحة جداً في إدارة نهر النيجر منذ عام 1980 لثمانية دول في غرب أفريقيا، هناك تجربة ناجحة جداً ايضاً في غرب أفريقيا لإدارة نهر السنغال لأربعة دول منذ عام 1972… تنبني على أُسس واضحة حتى مع تغيُر الأنظمة، حتى في دولة المنبع مثلاً في النيجر إنسحبت غينيا بيساو، إنسحبت لعدد من السنوات، هذا لم يُغير من واقع إستمرارية الإدارة المشتركة بتعاون.

لذلك نحن نقول بوضوح إمكانية هذا السد في أن يكون مدخل للتعاون، السودان لديه من الأراضي الخصبة الشاسعة الواسعة التي يحتاج فيها للأيادي العاملة ويمكن من إستثمارها ويجعل من السودان منطقة الأمن الغذائي المتوقع منه والممكن لمنطقته كلها. مصر لديها من المعارف والمعرفة بالتغنيات الزراعية. إثيوبيا لديها من الأيادي العاملة. لدينا من الموارد المشتركة والحدود المفتوحة والعلاقات الممتدة التاريخية والإستراتيجية ما يمكن أن نتكئ عليه.

وبالتالي هذه هو الأُفق الممكن والضروري وهذا هو الأُفق الذي يجب أن نتجه إليه جميعنا، نحن منفتحون في هذا الأمر. وهناك صحيح عدد من المبادرات إتبنت على هذا الأمر ننظر إليها بكل إيجابية لكن لا يمكن التهاون في سيادة السودان على شبر من أراضيه. نعم نعلم إن السيادة تم إعادة تعريفها ومنفتحين في هذا الأمر، لذلك نُريد من إخوتنا من الجوار أن لا نعرضهم ولا يعرضوننا لفتنة أن نختار ما بين أن تكون سيادتنا على أرضنا أو المواجهة المسلحة.

هناك من التجارب، من الثقة، من وجود الشعوب، من التحول الآن في العالم، من الشفافية، من وجود أفكار بناءة بإستعمال البدائل الداعمة، الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، الإستمطار، غيرها من البدائل أو المُحفزات أو الدواعم الكبيرة.

لذلك نحن نرى في دور الإتحاد الأفريقي وتجربته ودور العالم والدعم الكبير والمهم الذي وجدته السودان ومصر مؤخراً في اجتماعات جامعة الدول العربية بعُمق وإهتمام بعلاقة أفريقيا مع العرب، أى محاولة مثل التي دخلت فيها في السابق إثيوبيا في أن تصور الأمر ما بين العرب وأفريقيا جنوب الصحراء، محاولات obsolete، محاولات إنقضى عليها الزمن كانت تُعبر عن غضب في زمن سابق، ال 80% من عرب العالم هم أفارقة وعلاقة أفريقيا مع العرب علاقة عضوية ومهمة يجب أن نعمل على تقويتها وتغذيتها ومحاصرة مثل هذه الأفكار الغير مجدية والبائدة، ونحن مثل هذه الأفكار كلكم شفتم البيان الذي ردت به إثيوبيا على قرار جامعة الدول العربية، القرار المتزن الحكيم في محاولة للباسه غير لباسه، ودي واحدة من المشاكل الآن.

نحن بنعمل بصورة فيها حكمة كبيرة وصبر كبير لمساعدة إثيوبيا من الخروج من حالة النظر الداخلي فقط وخُسران علاقات كبيرة ومهمة ومجدية كما تفعل الآن حيال علاقتها مع مصر والسودان أو حسة الآن مؤخراً مع علاقتها مع جامعة الدول العربية.

شكراً ليكم وبارك الله فيكم.

 

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات:- شكراً جزيلاً دكتورة مريم الصادق المهدي على هذه المحاضرة القيمة التي أضائت فيها على جوانب مختلفة من أزمة سد النهضة وركزت بشكل كبير على التحديات التي تواجه دول أطراف الأزمة وايضاً آفاق الحلول.

 

لمشاهدة فيديو المحاضرة الرجاء الضغط هنا

_______________________________________________

[1] سورة الأنبياء الآية رقم (30)

[2] رواه الإمام أحمد

[3] رواه البخاري