خطاب الحبيب الإمام الصادق المهدي لدى عودته للوطن

الحبيب الإمام الصادق المهدي
الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس نداء السودان ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان

 

بسم الله الرحمن الرحيم

خطاب العودة

19 ديسمبر 2018م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أحبابي في الله وأخواني وأخواتي

وأبنائي وبناتي في الوطن العزيز

السلام عليكم ورحمة الله تعالى، وبعد-

أرجوكم أيها الأحباب الصمت. إني مدرك لشعوركم ومشاعركم، وكل الذي أرجوه منكم أن تنشطوا حاستين: حاسة السمع والبصر وعطلوا باقي الحواس، لأني أريد أن أخاطب قلوبكم وعقولكم وأرواحكم بمعانٍ أرجو ترسيخها في القلوب لأن ما بيننا الآن وطن يضيع واجبنا أن نحميه ونحفظ فيه مشارع الحق.

بعد غيبة دامت أحد عشر شهراً تبارى أهل الوطن مع اختلاف انتماءاتهم في الترحيب بعودتي بعبارات المودة والمحبة جزاهم الله خيراً.

وقلتُ أخ، قالوا أخٌ ذو قرابة؟                فقلتُ لهم إن الشُّكولَ أقارِبُ

ولا أجد في معجم العرفان عبارات كافية لشكر الذين هبوا لمقابلتي بطلاقة ألسنٍ وسرور فؤادٍ، جزى الله الجميع خيراً وبركة.

نعم غبتُ عن أرض الوطن بالجسد، أما روحياً، وقلبياً، وعاطفياً فالوطن ماثل فينا وإن لم نكن جسداً فيه.

ولدى العودة تجيش المشاعر نحو مكان الميلاد، فبين المكان والإنسان تعاطف:

وَأَجهَشتُ لِلسودان لماَ رَأَيتُهُ         وَكبرَ لِلرَحمَنِ حينَ رَآني

العمل العام يا أحباب لا ينبغي أن يكون للأطماع والراحات كما قال صاحب المجاهدات الأعظم عليه الصلاة والسلام: “أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأولياء، ثم الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ”:

على قَدْرِ فضل المرءِ تأْتي خُطُوبُه           ويحسنْ فيه الصَّبْر فيما يُصِيبه

إنه الطريق الذي ناح فيه نوح، ومُسَّ فيه موسى، وعُسَّ فيه عيسى، وحُمَّ فيه محمد عليهم الصلاة والسلام.

رواد العمل العام خدام المجتمع، ومن واجب المستخدَم أن يقدم كشف حساب عما فعل. وها أنا أقدم كشف حساب لكم عن فترة غيابي:

أولاً:

  • ألقيتُ ست محاضرات في معاهد دراسات إستراتيجية تعريفاً للرأي العالمي بقضايا السودان للعلم بها ولمؤازرة أهله.
  • شاركتُ برؤى محددة في ثلاثة مؤتمرات في الأردن، وفي جزر المالديف حول قضايا: الأمن المجتمعي، الإسلام والإرهاب، الوعي الوطني وحواضن التطرف.. محاضرات نصوصها طبعت ونشرت.
  • إجراء مقابلات مع الكفاءات السودانية المقيمة في الخارج في كثير من التخصصات، لأن لدينا الآن في الخارج كفاءات عظيمة يمكن أن نعتبرها رأسمال بشري سوداني مشهود له بالكفاءة، ورأيت وما زالت أرى أن رأس المال البشري هذا لا نسميهم مغتربين ولا مهجريين بل نسميهم سودانيون بلا حدود، لأنهم رافد للوطن خارج حدوده والآن زاد عدداً وقدرات.
  • قمت بمخاطبات جماهيرية عديدة في لندن، وفي أكسفورد، وفي لاهاي.
  • كذلك واصلت مع نادي مدريد حول أن الحملات الأمنية الحالية لمواجهة التطرف والإرهاب فاشلة لأنها لم تنطلق من التشخيص المناسب لبيان أن أسبابها غالباً وافدة على المنطقة، فقبل أحداث أفغانستان لم تكن القاعدة، وقبل احتلال العراق لم تكن داعش، وغرس إسرائيل وسياساتها في المنطقة وتوسعها من أهم أسباب الغضب الشعبي. الحملات الحالية تواجه الأعراض وتغفل الأمراض.
  • ومن أهم محطات نشاطي التعامل مع الوجود السوداني بالخارج. هذا الوجود الآن يبلغ عشرة مليون نسمة وفيهم أشخاص في غاية التأهيل في كل المجالات. وتقديري أن مدخراتهم لا تقل عن 60 مليار دولار. وأن كسبهم السنوي لا يقل عن 12 مليار دولار. هذا الوجود المعنوي والمادي الضخم ينبغي أن يعتبر رافد تنمية بشرية للوطن، واقترحتُ ألا نطلق عليهم عبارات الفصال عن الوطن كعبارتي مغتربين ومهجريين بل نطلق عليهم صفة الوصال: أنهم سودانيون بلا حدود. خطة التنمية البشرية السودانية ينبغي أن تعتبرهم من روافدها، فهم أصحاب كفاءات وتخصصات وأموال وتجارب واتصالات ينبغي أن توظف في الخطة القومية للتنمية البشرية. وسوف ندعو لمؤتمر مؤهل لدراسة دورهم في نهضة الوطن.
  • وأثناء فترة الغياب التقيتُ بممثلين للدول المهتمة بالشأن السوداني. وسمعت منهم ما هم بصدده من بلورة سياسات نحو السودان. وبعد التفكير اقترحنا عليهم آراء سوف نكتب بها للجميع تحت عنوان “بوصلة صداقة السودان”. السودان في نظرنا ينبغي أن تكون صداقته قائمة على وثيقة، على بوصلة وخلاصتها:
  • أن يدعموا مبادرات السلام العادل الشامل.
  • أن يدعموا برامج الإغاثات الإنسانية.
  • أن يساهموا في التوطين الطوعي للنازحين في قراهم بتعمير جديد. مع المساهمة في التعويضات المطلوبة لهم.
  • أن يدعموا كل ما من شأنه كفالة حقوق الإنسان والحريات العامة في السودان.
  • أن يساعدوا في إعادة الأموال المنهوبة للوطن.
  • أن يلتزموا بمعاملات طيبة للاجئين السودانيين فهؤلاء طردهم الظلم من وطنهم.

ثانياً: كانت آخر محطة لنا في العاصمة الأثيوبية وفيما  يلي بيانها:  في أكتوبر الماضي أرسلت لنا آلية الوساطة الأفريقية الرفيعة الدعوة لاجتماع موقعي خريطة الطريق في عام 2016م. قبلنا الدعوة وقلنا في الرد: إن معنا في نداء السودان قوى سياسية ومدنية غير موقعة على خريطة الطريق يجب أن يشاركوا في الدعوة. الآلية الأفريقية دعت هؤلاء جميعاً وأرسلت لهم التذاكر وحجزت لهم الفنادق. آلية الوساطة الأفريقية ذكرت في خطاب دعوتنا أن أجندة اللقاء سوف تكون للتفاكر معنا حول المضي قدماً بخريطة الطريق وتطويرها. وأصدر الوفد الحكومي أنه قادم لأديس أبابا لإجراء محادثات مع موقعي خريطة الطريق للانضمام لعملية كتابة الدستور والمشاركة في انتخابات 2020م. كان الموقف المعقول هو أن يجتمع الوسطاء بالموقعين على خريطة الطريق والآخرين الذين دعوهم. وأن يشكروا الجميع على تلبية الدعوة. ولكن الحوار الفعلي سوف يكون بين الموقعين على خريطة الطريق وهم أربعة أطراف منا والحكومة السودانية. قلت للسيد ثامبو أمبيكي الحل بسيط: اجتمع بكل الذين لبوا الدعوة وحدد لهم موقفك وسوف نجد صيغة للتجاوب معه. لكن السيد أمبيكي فاجأنا بقوله إنهم لم يوجهوا الدعوة إلا للذين وقعوا على خريطة الطريق. ولكن الحقيقة أن الدعوة وجهت للذين وقعوا وللآخرين. وكان بالإمكان الاعتراف بهذه الحقيقة، وإعلان أن الحوار سوف يكون بين الموقعين وحدهم لنحدد موقفنا للتعامل مع هذا الموقف بصورة إيجابية.

وأثناء وجودنا في أديس أبابا زارني مشكوراً الوفد الحكومي مرتين. وقالوا إنهم يتطلعون للحوار مع الموقعين حول الدستور والانتخابات. قلت لهم هنالك ثلاث نقاط هي: وقف العدائيات، وكفالة الإغاثات، وهذه مسألة إجرائية تناولتها مقابلاتكم للقوى الثورية في أكثر من موقع وآخرها في برلين. أما الدستور فنحن على استعداد لبحثه في مؤتمر قومي دستوري يتناول حتماً استحقاقات اتفاقية السلام، والحكم القومي المنشود، وكافة مطالب الدستور. أما الانتخابات فنحن على أتم استعداد لبحثها وبيان الاستحقاقات التي تجعلها حرة ونزيهة. تجاوبوا مع هذه الرؤية ولكن الخلافات حول المسائل الإجرائية حاولت دون إجراء الحوار المنشود. هذا معناه أن تخبط إجراءات الآلية الأفريقية الرفيعة أفشل مهمة الحوار المنتظر. آلية التوسط غرقت وأغرقت الجميع في شبر ماء.

ومهما كان سبب فشل الاجتماع فقد صار التساؤل ماذا بعد؟ لا سيما والآلية الأفريقية الرفيعة والأطراف السودانية ما زالوا حريصين على الالتزام بالحوار بموجب خريطة الطريق الذي عرقله هذه المرة اضطراب في أدوار إدارة الآلية الأفريقية. هذا ما حدث وهو ما يجب أن يعلمه الجميع وأصبح هناك سؤال لماذا لا نحل مشاكلنا، ولماذا لا نحل مشاكل الوطن وحدنا، ما دام صار واضحاً أن النظام الموجود حالياً بلغ غاية الفشل وصار لا بد أن نجد مخرجاً.

ثالثاً: 19 ديسمبر مناسبة وطنية عظيمة، محملة بدروس مفيدة أهمها أن البلاد كانت على شفا حرب أهلية تفادتها العبقرية السودانية بإجماع رائع على الوفاق الوطني بإرادة ذاتية دون حاجة لوساطة أجنبية، من باب: إذا صفا قلب المؤمن فإنه ينظر بنور الله. بهذه العقول والقلوب الصادقة صدر قرار الفلاح الوطني في 19 ديسمبر 1955م.

رابعاً: السودان اليوم يتردى مسرعاً نحو الهاوية، فالعملة الوطنية تفقد قيمتها بسرعة عجيبة، والنظام المصرفي يفقد وظيفته باستمرار، والعملة الحرة الدولار صار سلعة لها 6 أسعار، وأسعار السلع في سُعار مستمر. هذه العوامل تؤثر سلباً على الحركة التجارية، وعلى حركة الإنتاج، وعلى حركة الاستثمار، وفي موسم الحصاد يؤدي شح النقد والوقود إلى فشله.

يحيط بهذه الحالة المزرية تحكم الفساد الذي جعل المقاييس العالمية للفساد تضع السودان رقم 170 من 176 أي السبعة الأسوأ في العالم.

ونسبة اللاجئين من المواطنين فراراً من البلاد بلغت ربع السكان. ونسبة النازحين داخل الوطن من قراهم بلغت عُشر السكان. السودانيون في الماضي كانوا يهاجرون لأسباب محددة: لعقد عمل، لعلاج، لتعليم أو لصفقة تجارية، أما بهذا الشكل لم يكن هناك لجوء للخارج، وكذلك لم يكن في السودان نازحون بمثل المعسكرات الكبيرة الموجودة حالياً، هؤلاء كلهم اللاجئون في الخارج والنازحون في الداخل نتيجة سياسات خاطئة ألجأتهم لهذا. ربع السكان وعشر السكان في حالة استثنائية، إنه سوء حال لو رأيناه في المنام فزعنا.

مع هذه الظروف اندلعت احتجاجات ومظاهرات تلقائية معبرة عن المعاناة وهي مرشحة للزيادة ما دامت أسبابها متوافرة، وكذلك ما دام هذا الأمر قائماً.

كل الذي نرجوه أن يعبر أهلنا  عن مشاعرهم بدون عنف وبدون تخريب. لأن التعبير عن مشاعر المواطنين الصحيحة هو في حقيقة الأمر حق دستوري وحق إنساني. فالسودان موقع على معاهدات وقبل بها، وهي تكفل هذه الحقوق السلمية.

والمدهش أن بعض الأشخاص داخل النظام بدأوا يعترفون بهذا السوء، ولكن بدلاً عن الاعتراف بضرورة إيجاد مخرج، قدمت إحدى زعيمات السلطة القائمة طلب بانقلاب عسكري بدلا عن أن يكون الحل مواجهة المشاكل يصير الحل في هذا الموضوع بهذه الطريقة وهذا معناه “الغلبك سده وسّع قده!”:

كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا           وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا

إذن نحن في موقف العقلاء والحكماء والوطنيون لا بد أن يقدموا روشتة حل، وقد أدركنا التشخيص أن هناك مرض شديد جداً، ولم يعد هناك إنسان في الوطن الآن يشك في سوء الحالة، وأصبح السؤال: ما هو المخرج؟

طبعاً أنتم عارفين هناك تيارات كثيرة، ولكني أريد أن أذكر لكم ما هي الروشتة، وطبعاً ولا شك أن الحماسة والظلم والغبن يجعل كل واحد منكم يفكر بطريقته، لكني أريد أن أذكر لكم ما أراه الروشتة، وهي ليست حل حزب الأمة ولا حل حزب معين، بل حل اقترحه للسودان كله ليصير مخرجاً، فاستمعوا له لأن فيه المخرج الآمن للوطن.

ما أراه أن نعمل على صيغة عقد اجتماعي جديد نسميه “العقد الاجتماعي لخلاص الوطن”. صحيفة للخلاص الوطني يوقع عليها كل مَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ من أبناء وبنات الوطن، ويقومون بتقديمها بصورة جماعية محضورة وسلمية لرئاسة البلاد:

رأيُ الجماعةِ لا تشـقى البلادُ به    رغـم الخلافِ ورأيُ الفرد يُشْقِيها

أناشد ممثلي القوى السياسية، والمدنية، والأكاديمية، والدينية، والقبلية التجاوب معها والتوقيع عليها، والمشاركة في تقديمها.. هذه المذكرة، هذه الرؤية المشتركة، من يتخلف عنها لا عذر له: (ألا فليَجلَّ الخطبُ وليَفدحِ الأمرُ)        فليسَ لنفس تبدي ممانعة عذرُ. بيان العقد الاجتماعي “صيحفة النجاة” أنها تتكون من النقاط الأربع التالية:

  • التزام الجميع بإجراءات وقف للعدائيات، وتسهيل مهمة الإغاثات الإنسانية، وإطلاق سراح المحبوسين والأسرى، وكفالة الحريات العامة بضوابط لتنظيم ممارستها.
  • تكوين حكومة قومية برئاسة وفاقية مهمتها: الالتزام بقومية الحكم وتصفية التمكين، والتصدي للحالة الاقتصادية والمالية الراهنة بما يرفع المعاناة عن الشعب ويصلح الاقتصاد الوطني، وتسكين النازحين في قراهم طوعياً، وإجراءات العدالة الانتقالية للحقيقة والإنصاف على كل الفترة منذ استقلال السودان.
  • عقد مؤتمر دستروي مهمته: تفصيل استحقالات السلام العادل الشامل والالتزام بها وهي: المساواة في المواطنة، وقومية المؤسسات النظامية، والالتزام بالعدالة الجهوية والاجتماعية. وضبط معادلة الدين والدولة. واحترام التنوع الثقافي، وكفالة حقوق الإنسان وكفالة مطالب الحكم الديمقراطي.
  • الإلتزام بموجب الدستور هذا بضوابط التناوب السلمي على السلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة.

لا يفوتني أن أذكر أن موارد السودان ضخمة، والكوادر السودانية المؤهلة كثيرة، ولكن الحالة الآن هي عدم وجود سياسات صحيحة جعلت السودان في الخارج ملطشة، وجعلت أهله في الداخل في هذه المعاناة المشاهدة.

الشعب السوداني لديه تجارب، فكل النظم الموجودة في التجارب الإنسانية السياسية جربناها، ولذلك نحن السودانيين من أكثر الشعوب لدينا تجارب، ولذلك فإن لدينا إمكانية وينبغي أن نبني على رأس المال هذا بالكلام عن صحيفة الخلاص الوطني ونحشد لها الجميع. هنالك كثير من الناس: الأطباء، وأساتذة جامعة الخرطوم وغيرهم، كثيرون الآن يقدمون مذكرات، فلنعمل قناة جونقلي سياسية تجمع كل هذه الجماعات في موقف موحد، ليجد من الناس كل الناس التأييد الكبير، لأن هذا يؤدي للتأييد الشعبي الإجماعي وهو الذي يفتح الطريق للمستقبل وهو الذي يجد في رأيي التجاوب الإيجابي من الأسرة الدولية.

خامساً: المطلوب في أفريقيا

سأتكلم الآن، والناس ربما لا يكونوا متحمسين لقضايا خارجية، لأنهم كلهم “واطين الجمرة” ويريدون الكلام فيما يزيل هذه الجمرة أكثر من قضايا أخرى. ولكن القضايا الأخرى تهمنا أيضاً. قرر الاتحاد الأفريقي قراراً موفقاً لإسكات البنادق في كل القارة بحلول عام 2020م، هذا القرار يتطلب إجراءات عملية يقوم بها مجلس السلم والأمن الأفريقي، ويحرص على الاتصال بكل الأطراف المقتتلة في أفريقيا ويعمل على إزالة أسباب الحرب ومناشدة الجميع للتجاوب مع حركة السلام الشامل في أفريقيا. ولكن ليعلم ويربط هذا بإنه لا تستدام اتفاقية سلام  ما لم تكن نظم الحكم قائمة على أساس: المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون. لأن هذا هو الذي يضمن تنفيذ اتفاقيات السلام المبرمة.  من ضمن الأمور المهمة التي أنجزتها في الخارج أني كتبتُ في أغسطس الماضي لمجلس السلم والأمن الأفريقي أقول لهم أصدروا مانفيستو، أي مرشداً لكل الدول الأفريقية، بقانون نموذجي للانتخابات الحرة النزيهة، لكيلا يعمل كل ناس قانون انتخابات “يقطعوه من راسهم”، ويصير هناك قانون انتخابات نموذجي: مرشد. وكذلك  يجب في كل هذه القوانين وفي كل هذه المبادرات أن ينص على ألا يعدل الدستور لمصلحة الحكام الأفراد. لا بد أن يكون واضحاً أن المطلوب قانون مرشد للانتخابات، ومنع أية عملية فيها يسمح للرؤساء أن يعدلوا الدستور ليستمروا في الحكم مثلما حصل بالنسبة لجوزيف كابيلا في الكنغو الديمقراطية.

سادساً:  الموقف العربي الحالي يتسم بغاية الهشاشة ما يفتح الباب للمغامرات الداخلية، والحروب الإقليمية، والتدخلات الأجنبية، ما يجعل المنطقة العربية حقلاً مفتوحاً للدول الكبرى لتصفية حساباتها فيها. لكي تستطيع المنطقة العربية تجنب المضار ويصير لها قدراتها على الفعل الإرادي لا بد من أن يكون لها حق القرار في أمرها، وهذا لا يمكن أن يكون إلا إذا أجريت الإصلاحات الآتية:

  • إبرام صلح عام بين الطوائف الدينية في العالم العربي.
  • وقف فوري للحروب المشتعلة في المنطقة، وفي هذا الصدد نرحب بالخطوة اليمنية المتفق عليها لوقف النار في الحديدة ليعمم هذا ويجرى لقاء عام شامل بين أطراف اليمن للوصول لحل سياسي.
  • الاستقطاب الخليجي الحالي عاد بالضرر لكل أطرافه، ما يوجب القضاء عليه وعلى الحرب الباردة التي أطلقها بين أطرافه، وقد اقترحنا أساساً لذلك في رسالة أرسلناها لمؤتمر القمة العربي الأخير تحت عنوان الطيبات العشر.
  • إجراء مصالحات بين الحكومات والشعوب على أساس يكفل المشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية.
  • تكوين آلية مشتركة للاتفاق على تشخيص أسباب التطرف والإرهاب والعمل على إزالة هذه الأسباب بصورة مشتركة.
  • تحريم أية اتصالات بإسرائيل ما لم تقبل على المشروع العربي الصادر في عام 2002م. المشروع العربي لأساس التعامل بعدل مع إسرائيل.
  • لكي تتحرك الأمة العربية بصورة إيجابية يرجى العمل على تنفيذ تكامل تنموي بين سكان ضفتي البحر الأحمر: أفريقيا جنوب الصحراء وهم سكان الضفة الغربية للبحر الأحمر وغرب آسيا وهم أهلنا في الدول العربية لأن هؤلاء في أفريقيا لديهم الموارد، والآخرون لديهم المال، فينبغي إبرام تكامل تنموي لمصلحة الطرفين.
  • ولقفل أبواب التدخلات الأجنبية تبرم معاهدة أمن وسلام وتعايش عربية، إيرانية، تركية للتعايش، والتعاون، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

سابعاً: هناك موضوع أريد أن تتابعوه جيداً لأن كثير من الناس لا يقدرون حقيقته، موضوع الاحتباس الحراري؛ فموضوع الاحتباس الحراري هذا إذا سمح له أن يستمر كما هو سوف يشوي العالم، ولدينا فيه إمكانية كبيرة. كنا وما زلنا مهتمين بتدهور البيئة الطبيعية، ونحن من ضحايا الاحتباس الحراري، وتابعنا قرارات دولية تلزم الدول الملوثة للبيئة بدفع أموال لتعويض الضحايا “نحن” بصورة تواجه الأضرار المناخية التي سوف يواجهونها.  في يوم السبت الماضي 15/12 عقد مؤتمر في بولندا قال فيه خبراء الهيئة العلمية التابعة للأمم المتحدة بضرورة أن ينخفض إنتاج المواد الأحفورية مثل البترول وغيرها إلى النصف في فترة 12 عاماً. ولكن الدول المنتجة رفضت هذا الكلام. علينا أن نقترح أنه بدلاً عن هذا الحل يمكن القيام بحل عن طريق آخر وهو تخضير المناطق الممطرة والمناطق شبه الجافة، والسودان يملك أراض بملايين الأفدنة، فإذا دُعمنا عن طريق مشروع العدالة المناخية يمكن أن يزرع السودان ترليون شجرة في المناطق المختلفة، وكذلك الاهتمام بالطاقة المتجددة  خصوصاً الشمسية. هذا يمكن أن يعالج المسألة بطريقة غير الطريقة الفاشلة الحالية، هذه المسائل فيها مصلحة كبيرة.

آخر نقطة أريد أن أتكلم فيها: إني وسائر زملائي نبذنا العنف وأكدنا أن مستقبل الوطن يقوم على الوحدة والعدالة والحرية فلا مكان لتقرير المصير لأن الطريق الصحيح لمواجهة الظلم هو نظام في السودان يحقق العدالة والتنمية والحرية للجميع وهذا ما نعتقد أن يكون.

أنا أريد أختم كلامي وأقول لكم كل الإخوة والأخوات والناس الذين يريدون أن يعزوننا في فقيدنا الحبيب الراحل فيصل جزاهم الله خيراً ونحن نعتبر هذا اللقاء والتأبين الذي صدر من هذا المنبر هو بمثابة الوسيلة لتقديم للعزاء.

وأيضا أريد أن أشكر الجميع على التجاوب العظيم الذي لمسناه وأقول المهم في هذا الثمرة التي يمكن أن نحققها.

هناك بعض الناس غائبين مثل عمي السيد أحمد، وقد أرسل ليرحب ويشارككم أيضاً في الترحيب بهذه العودة جزاه الله خيراً وهو في غيبته.

ونحن سنتباحث مع كل الأطراف، وأناشد كل القوى السياسية: الأخوة في قوى الإجماع الوطني، والأخوة في الاتحادي الديمقراطي، والأخوة في الأحزاب المختلفة خصوصاً الأخوة الذين يحملون السلاح وما زالوا لا يريدون التجاوب مع المشروع المشترك مثل الأخوة عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، كل هؤلاء مواطنون ولهم الحق في المشاركة في المصير الوطني، المهم هذا الحق يجب أن يُضبط بإيجاد مخرج للوطن. كلهم نوجه لهم نداءً عاماً لأننا ليس لدينا ما نمليه، ومستعدين أن نشارك الآخرين في كل هذه القضايا للاتفاق، حتى المشروع الذي قدمناه بصفته يمثل ميثاقاً جديداً أو عقداً اجتماعياً جديداً فهو ليس منزلاً بل أفكار، مقترحات، الهدف فيها أن نوحد كلمة المصير الوطني، لذلك فإني آمل أن يتجاوب الجميع مع هذه الفكرة لأنه إذا غرق مركب الوطن فسوف نغرق كلنا، ولذلك لا بد أن نراعي هذا، وأختم كلامي بأنكم وقد أسكتناكم طيلة هذه الفترة أن انطقوا الستنكم الآن بتريد الآتي معي:

  • لا للحرب نعم للسلام.
  • لا للإستبداد نعم للديمقراطية.
  • لا للهيمنة الثقافية نعم للوحدة داخل التنوع.
  • لا للتفاوت الطبقي نعم للعدل الاجتماعي.
  • لا لتقرير المصير نعم للسودان العادل الجامع.
  • لا للتمكين الحزبي نعم للوفاق القومي.
  • لا للتعبير التخريبي نعم للتعبير السلمي.
  • الشعب يريد نظام جديد.

__________________________________________________________________________

ملحوظة: ألقيت الكلمة شفاهة وقام المكتب الخاص للإمام الصادق المهدي بتفريغها.

 

 

 

خطاب الحبيب الإمام الصادق المهدي حفظه الله ورعاه زعيم حزب الأمة القومي وإمام أنصار الله ورئيس قوى نداء السودان ورئيس الوزراء الشرعي والمنتخب للسودان لدى عودته إلى أرض الوطن يوم الأربعاء 19 ديسمبر 2018