مريم الصادق المهدي: تاريخ الأنصار البطولي في تحرير السودان

الحبيبة الدكتورة مريم المنصورة الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي والقيادية بقوى نداء السودان

 

الأربعاء 22 نوفمبر 2017

 

– تاريخ الأنصار البطولي في تحرير السودان

– انفصال الجنوب لم يأت بأي قصة نجاح

– مازال هناك للأسف آخرون في الوطن يدعون لتقرير المصير

– ليس هناك ديمقراطية في السوادن اليوم

– الصادق المهدي سيقيم سلاماً حقيقياً لو عاد لرئاسة الحكومة من جديد

 

أجرى الحديث: عبدالعزيز كمال الكيلاني

 

مريم المهدي بنت النيل الأزرق، نائب رئيس حزب الأمة القومي السوداني، الطبيبة التي تفرغت لقضايا المرأة. درست الطب في الجامعة الأردنية، ومارسته في القوات المسلحة في السودان وعلى الحدود الشرقية مع إريتريا، وتدربت على “تنمية المرأة” في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأميركية.

مريم، ابنة الصادق المهدي، “الحبيب” كما يحلو لها أن تسميه على طريقة الأنصار.

أمها أول سودانية تخرجت من جامعة أميركية في 1962 وحازت على ماجستير في الأنثروبولوجيا من جامع نيويورك، وهي حفيدة الإمام المهدي، وابنة عم الصادق المهدي. ومريم من القيادات الشابة البارزة في الأمة العريق في السودان.

حين تقابلها لا يبدو لك كأنها يمكن أن تكون مولعة بالعمل السياسي والنضال وما شابه ذلك. ترى امرأة هادئة ذات ملامح سمحة، ولعلك لا تدرك إلا إذا أمعنت النظر أن وراء ذلك الحماس الوطني والسياسي والكفاح في حماية الحريات وضمان التحول الديمقراطي، امرأة ذات وجه رائق أسمر، فيه وداعة وصبر وشجاعة.

امرأة ورثت كسائر العرب عواطف انسانية لم تتغير على مر العقود، عواطف الأمومة والأبوة والأخوة، امرأة تعبر عن نفسها ببساطة وعفوية، وتتحدث بشغف عن فتياتها الأربع المهتمات بالسياسة. وعن زوجها “الصديق” المنشغل بالعمل الإنساني، الصبور الذي تقبل انغماسها بالعمل السياسي ووقف دوماً إلى جانبها، وكان أول داعم ومؤيد لها في الحملات الإنتخابية للحزب، وأبعاده وشؤونه الفكرية والسياسية.

 

كانت تتكلم في حيوية وصدق، وقد شعرت بحرارة استقبالها وهي ترحب بي:

مرحبا بك الحبيب الأستاذ عبد العزيز، أنا شديدة السعادة أن ألتقي شاب عربي مسلم استطاع أن يكون مرتكزاً في ثقافته وفي تراثه، وفي نفس الوقت استطاع التقدم في العالم الغربي ويكون له حضور. أنا سعيدة جدا إني ألتقيك وأتشرف كثيرا بهذا اللقاء. أنت من أصول أردنية. فبالنسبة لي هذا بعد أخر. حيث درست أنا في الأردن وتحديداً في الجامعة الأردنية، وأعتز كثيرا بصداقاتي وبكل معارفي وإخوتي في الأردن.

 

فشكرتها وجلست وأنا أشعر بالخجل على هذا الإطراء وسألتها قائلاً:

 

المعروف عن الصادق المهدي أنه سياسي ومفكر وإمام الأنصار. من هم الأنصار؟

قالت بلهجة من يتوقع هذا السؤال: الأنصار هم أنصار الله، أي أحباب الإمام المهدي، وهم أكبر مجموعة دينية في السودان، وتمددهم خارج السودان، في دول أفريقية ودول غربية. هم ببساطة يتكلموا عن أهل السنة وضرورة إحياء الكتاب والسنة المقبولة حتى يستقيموا. وأهم ما ميَّز الدعوة المهدية ضرورة الهدى, وكما أشار الإمام المهدي: الأئمة أهل المذاهب هم رجال ونحن رجال، وبالتالي يُشكروا على سعيهم ويُشكروا على اجتهادهم، ولكن لا نتكلَّس في اجتهاداتهم، ولكن يكون لنا سلف صالح نرجع له. والمرجع الأساس هو الكتاب والسنة. ولذا، فإن فقه الرجال واجتهادات الرجال مع كامل التقدير والعرفان لهم والرجوع للأسس المهمة التي قاموا بها في الإستقراء والقياس وغيرها، إنما باب الإجتهاد مفتوح بحسب أسسه وأصوله للمتفقهين في الدين، وهذه مرجعية أساسية في أمر المهدية.

وأردفت تقول: المسألة الثانية: إحياء سنة الجهاد، والجهاد بمعناه الواسع هو أن نحقق الإستخلاف كمسلمين مكلفين بتحقيق التوحيد والعدل، والحرية في الإنسانية، ومكلفين بالدعوة على أساس حرية الإعتقاد، ونرفض تماماً التكفير في التعامل مع أي إنسان آخر.

الأمر المهم أيضاً فيما يخص الدعوة المهدية وفكر الإمام المهدي يتكلم عن المهدية الوظيفية وهي إحياء الكتاب والسنة. ليست المهدية المرتبطة بأشراط محددة ولا بأوصاف محددة، مع أنه يتكلم عن كيف أنه يستوفي الأشراط والأوصاف لكنه يتكلم أيضاً عن أنه هو عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة حتى يستقيم في إطار من تجديد الدين والدعوة والإلتزام بالجهاد والإجتهاد .

هذه هي المعالم الأساسية التي نرتكز إليها في فكرنا كأنصار الله، وأحباب وأصحاب الإمام المهدي.

المسألة الأخرى والمهمة هي الإلتزام بالعبادات بأغوار الروحية. إن أي عبادة لها أغوار روحية. الصلاة مثلاً ليست مجرد حركات رياضية نقوم بها، إنما لها أغوار روحية. كذلك الصيام، الحج والزكاة. وبالتالي، إخلاص النية والبعد الروحي مهم جدا. فهم مرتبطين أيضا بتلاوة راتب الإمام المهدي مرتين في ساعتي الإستجابة، بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر. راتب الإمام المهدي ليس بدعة ولا شيء أتى به، إنما هو مجموعة من الآيات القرآنية، والقراءات المأثورة عن النبي  صلى الله عليه وسلم والأنبياء، وتتضمن الدعوات من السلف الصالح. والفكر في كل الراتب هو هذا البعد الروحي أنه أصلا هو إعداد المؤمن منا، ونحن نتحدث عن درجة الإسلام والإيمان والمحبة في الله. وبالتالي كلنا ننادي بعضنا بعضا بـ” يا حبيب ” أو ” يا حبيبة “. وهذه الفكرة في محاولة الوصول للمحبة في الله. فكرة الراتب كلها في أنه يعيد الواحد منا لتلقي معاني القرآن الباهرة. لذلك فإن الراتب يُقْرَأ معه حزب من القرآن بعد صلاة الصبح و حزب بعد صلاة العصر لذا تكمل جزء في اليوم . والراتب هو الإعداد الروحي لتلقي معاني القرآن وليست مجرد تلاوة من الفم ينطق به اللسان، بل تتمثل له الجوارح كلها – تستوعب المعاني – ويمتثل له العقل والنفس والروح. وبالتالي، الراتب معنى كبير نجتمع حوله بشكل حلقة دائرية مغلقة لا يسمح لها أن تفتح حتى لو قام أحد يحل محله واحد أخر فَتُقْفَل.

وأضافت: مهم أن تكون حلقة الإيمان مغلقة، ويكون فيه شيخ لتلاوة الراتب، إنما في محلات محددة الكل يقرأ سويا، لأنه ليس واحداً كما في الصلاة يوجد إمام، ولكن الكل حضور معه بالتكبير والحركات نفسها. في تلاوة الراتب يوجد شيخ الراتب يقرأ، لكن الآخرين يقرءون معه في البداية مثلاً، في البداية تبدأ بأول آية في سورة (الأنعام)، وبعدها مباشرة من سورة (الصف)، الأول مجموعة من آيتين من سورتين مختلفتين، وكذلك في كل الراتب القيادة ومعها الحضور وبالتأمين والتلاوة في المسبعات وفي المئات وفي كثير من الآيات: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ۖ } . حين يقولون نحن أنصار الله كل الناس يقولون، مثلا مرات تدخل في دخلة بسيطة جدا ومرات تقرأ البداية الأولى مثلا {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىٰ أَجَلًا ۖ وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ۖ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)} . (الأنعام) ، {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (61)}. (يونس). هذه كل الناس يقولونها، حتى بعد الشيخ الراتب يستمر – لأنه مفترض يكون بصورة راتبة. وهو طويل ساعة ومرات كثيرة جدا في إيقاع الحياة الناس لا يمكنهم الإستمرار. فعنده ثلاثة أطوال: الراتب الكامل، والراتب الأول ومعه حزب من القرآن، أو الراتب الأصغر مثلا في حالة السفر وتكون معه خواتيم آل عمران. وهكذا فيه مرجعية فكرية، والتزام في شكل العبادة والتواصل وفيه رابط بمستوى محدد من العبادات.

وخلصت إلى القول: أنصار الله بالإضافة لماهيتهم الفكرية والعقائدية، فإن أهم ما يميزهم هو تاريخهم البطولي في تحرير السودان. والفكرة الأخرى أنهم حرروا كل العالم الإسلامي وليس فقط السودان. لذلك حتى أم درمان وهي العاصمة الوطنية اليوم غرب النيل كانت معسكراً كبيراً للناس المتحركين فيه شمالا لتحرير كل الأراضي الإسلامية بما فيها القدس الشريف. لذا، هذا هو الإرتباط بالمهدية كفكر وكتوجه يوما أن حصرت نفسها في السودان وهو بلد الوطن، وبُعْدُنَا هو العالم الإسلامي، وتجربة المهدية مرت بإقامة دولة إسلامية في السودان في أواخر القرن التاسع عشر، لها ما لها وعليها ما عليها. لكن لا يقدحن قادح في اجتهاد قادة المهدية في أنهم يلتزمون التزاماً شديد اللهجة بفكرهم، بعدها لما انجلى الحكم الثنائي كانت الحرب الأساسية للمهدية وللأنصار. لكن ثورة المهدية لم تتوقف والناس ذو المرجعية المهدية اضطروا إلى التعامل مع زعيم. وتعاملوا مع ابن المهدي وهو الوحيد الذي ظل من أبناء المهدي في السودان، لأنهم كلهم استشهدوا في المعارك وآخرين قتلوا بأن حكم عليهم فقتلوا. الوحيدان اللذان ظلا هم الإمام عبد الرحمن والسيد علي المهدي الذي أخذ أغلب دراسته في مصر. فبقي الموجود من أبناء الإمام المهدي هو أصغرهم الذي لم ير والده أبداً. حيث ولد بعد عدة شهور من إنتقال أبيه، وانتقل صغيرا جدا في العمر. الشاهد أن الإمام عبد الرحمن أعاد إحياء المهدية. ولذلك نتكلم عن الطور الثاني من المهدية. حيث حول فكرة الجهاد من الجهاد بالسيف إلى الجهاد بالفكر حين أنشأ مؤسسة اقتصادية كبيرة إستعان فيها بكل الأنصار بروحهم الجهادية حول الجهاد إلى الإنتاج الإقتصادي. وبهذه الصورة استطاعوا أن يحصلوا على استقلال السودان، وأسسوا حزب الأمة وهو أول حزب في السودان في فبرايرعام 1945.

 

قلت: وما هي رسالة حزب الأمة ؟

حزب الأمة أسس للمناداة بالإستقلال، وبالتالي كان الشعار الأساسي الذي انطلق منه السودان للسودانيين.

ثم مضت تقول: تأسس حزب الأمة بفكرة أننا كأنصار ما يربطنا عقائدياً. لكن في السودان مواطنين آخرين ليسوا أنصار مع أنهم مسلمون. وهناك آخرين حتى خارج إطار الإسلام. فكيف يمكن تحقيق المواطنة؟ لذا، أنشأ وعاء حزب الأمة ليشمل السودانيين الذين يؤمنوا بالفكر الذي يعمل من أجله غالبية الأنصار وهو استقلال السودان. وفي أربعينيات القرن الماضي حصل انشقاق بين السودانيين وبين النخبة لأننا كنا مستعمرين من دولتين: الدولة البريطانية والحكم التركي المتمثل في الخديوية التي كانت تحكم مصر، أي حكم ثنائي. وكانت مجموعة ترى أننا نستقيل من البريطانيين، لكن نستمر تحت التاج المصري – الإستقلال الجزئي – وقد أسموا أنفسهم الإتحاديين. ونحن كحزب الأمة من ضمن أخرين أسسنا الجبهة الإستقلالية لكي يستقل السودان بنفسه ويمتلك سيادته كاملة. وبالتأكيد فمصر بالنسبة لنا قُطر شقيق ومهم وعمق بالنسبة لنا من كل النواحي. لكن نتعامل مع بعضنا بندية ولا نندرج تحت التاج المصري. لذلك كان الشعار يقول السودان للسودانيين، وهذه إجابة الطور الثاني.

الطور الثالث بعد الإستقلال هو أننا مررنا بمواجهات عديدة من الشموليات. جاءت أول واحدة مباشرة بعد الإستقلال، فاندرج حزب الأمة في المقاومة لها. وحدثت إشتباكات عنيفة مع الحكومة ولم نكن مسلحين. نحن حزب سياسي، فقُتل منا عدد كبير. هذه المسألة فطرت قلب الإمام الصديق، وشعر بغضب وحزن شديدين فأصيب بذبحة صدرية وانتقل مباشرة خلفه شقيقه الإمام الهادي. واستمرت المواجهة وجاءت ثورة أكتوبر. وبعد ذلك جاء انقلاب مايو بمرجعيات شيوعية وشعارات شيوعية فواجهناه وحدثت مذبحة كبيرة جداً في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، فقتل الناس بالمئات في جزيرة أبا التي هي المعقل الأساسي لنا وفي أم درمان في جامع ودنوباوي. والإمام الهادي نفسه استشهد بواسطة هذا النظام. فتولى المسؤولية الحبيب الإمام الصادق وقام بعمل بعد فكري كتأصيل للفكر المهدوي وإعادة بناء المهدية والكيان الأنصاري، وهنا جاءت المرحلة الثالثة من المهدية التي نحن فيها.

 

قلت: إذا فرسالة حزب الأمة الدفاع عن السودان ضد الإستبداد؟

نعم السودان للسودانيين والسيادة الكاملة للسودان بصورة فيها حكم ديمقراطي قائم على المشاركة والمحاسبة وسيادة حكم القانون والحفاظ على حقوق الإنسان.

 

– هل هناك ديمقراطية في السودان اليوم ؟

لا، لا توجد ديمقراطية. الحكم الديمقراطي وئد منذ عام 1989 وقائم علينا حكم شمولي. والإنقلاب نفسه قامت عليه مجموعة من أبناء السودان، الجبهة الإسلامية السودانية التي تنتمي فكريا إلى جماعة الإخوان المسلمين. وعندهم تجربة سياسية في العمل السياسي قاموا على فكرتين: فكرة أسموها المشروع الحضاري وهي محاولة إعادة صياغة الإنسان السوداني بما يروا هم من الإسلام وما يرون هم من مرجعيات السودان. وهي دولة شديدة التنوع فيها بعد أفريقي وبعد عربي وفيها هذه المعاني. فرأوا أن يكون الإسلام توجهه عروبي وإسلامي، عروبي بمنظورهم هم، وإسلامي بمنظورهم هم. كل من خالفهم في الرأي كان التعامل معه الإقصاء أو الإبادة، أي إبادة إقتصادية .

الفكرة الثانية التي قاموا عليها هي التمكين لأفرادهم في كل مجالات الحياة. فبالتالي لم يتورعوا أبدا عن القيام بمذبحة كبيرة لكثير من الكفاءات بصورة غير مسبوقة. وكل الأمور أصبحت بيد أهل الولاء، أي الموالين لهم هم أهل الحظوة ، وغيرهم لا مجال لهم ، وهذا أحدث إختلالات كبيرة جداً في الدولة تراها الآن. وترى كيف تمدد السودانيون في سودان المهجر، وتلك سياسة خطيرة جداً، وخطورتها أننا كمجتمع سوداني قائم على التسامح والإنفتاح على بعضنا البعض. والنظام يستهلك في هذا المخزون من التسامح، ويتلاعب بأشياء كلنا يقدرها مثل الإنتخابات كمخرج سلمي لتداول السلطة. لقد لعبوا بالإنتخابات بطريقة غير مسبوقة كانتخابات 2010 و 2015. فهذا خطورته في أنه كيف يكون مخرجنا للتداول السلمي للسلطة حين نكفر كلنا بالإنتخابات. المسألة الأخرى هي مسألة الكذب. نحن لسنا مجتمع خالي من الأخطاء أو الناس السيئين، ولكن لا يوجد إنسان يكذب في العلن ويقول للسودانيين إعذروني – فيعذروه لأنهم متسامحون – ثم يكذب ثانياً وثالثاً ورابعاً وألف… فهذا يضرب مسألة التسامح نفسها في مطعن، كأنهم يتعاملون معه كنوع من الغباء، وهي أصلا تسامح وليس غباء. فاستهلاك التسامح بهذه الصورة الخطيرة شيء مخيف جداً. هذا النظام عنده سجل خطير، وقد خلَّف أزمة في الساحة السياسية السودانية ولم يعد هناك ثقة فيهم. وهذه مسألة تحتاج منا لوقفة كبيرة. خلاصة الكلام أنهم ليسوا ديمقراطيين. والأسوأ من ذلك أنهم يحاولون التلاعب بـالقيم التي نتكأ عليها في الأزمات ويستنزفونها باستهتار.

 

بالنسبة لمسألة جنوب السودان، ما هي الأبعاد التي وصلت إليها من تقسيم البلاد وهيمنة القوى الأجنبية على الجنوب وما هي الأسباب التي أدت إلى ما وصلت إليه اليوم ؟

جنوب السودان مشكلة لم تنشأ الآن. المشكلة لها جذور أسباب موضوعية. شكل الحكم الذي كان في السودان وهو الحكم الثنائي رأى أنه يجب فصل السودان. لكن في اللحظات الأخيرة أدرك أن جنوب السودان ستواجهه صعوبات كثيرة كدولة منفردة، وكذلك شمال السودان. فنحن نحتاج لبعضنا البعض لأسباب كثيرة منها إقتصادية واجتماعية وسياسية. في اللحظات الأخيرة بدأوا يتحدثون عن السودان الواحد. وهذا خلق نوعاً من التفاوت في نمو الحركة السياسية في شطري البلاد شمالا وجنوباً. لكن الناس كانوا يؤمنون أن وحدة البلاد مهمة لكلا الطرفين. وحدثت في هذه المسألة تجاوزات، لكن التزم أهل الشمال لأهل الجنوب بحكم فيدرالي. وبعد أقل من 3 سنوات من الإستقلال، جاء حكم شمولي، فشطب كل الإلتزامات الديمقراطية السابقة، وحدثت رِدَّات كثيرة نشأت على أثرها مجموعات المقاومة الأولى في الجنوب. بعدها جاءت إتفاقية أديس أبابا التي قام بها الرئيس النميري التي أعدها في الفترة الديمقراطية الثانية بالتفاهمات واللقاءات. فتوجت في عهد الرئيس النميري عام 1972، لأن حكمه كان شمولياً ومرجعه الفرد أيضاً. وحين أراد عمل سياسة فرق تسد في الجنوب، شطب كل إلتزاماته في 1983 وقامت الحركة الشعبية. الشاهد أنه رغم كل ذلك كان هناك من يعمل للديمقراطية الثالثة الأخيرة لسودان موحد، وكان هناك إتفاق على مؤتمر دستوري في سبتمبر عام 1989. ولكن للأسف، فإن إنقلاب الجبهة الإسلامية قطع الطريق أمام هذا الأمر، ومضى في قصة الجهاد. فصار الوضع في الجنوب بعدما جاء حكم يقول أن السودان مسلم وعربي. فقال الجنوب أنه يريد تقرير المصير. وهذا لأول مرة في تاريخ السودان أن تكون الدعوة لتقرير المصير محل إجماع من كل الجنوب.

ومن طالبوا بالإنفصال كانوا 98.5 % ولم يكن هذا رقما غريباً. ومع مواصلة النظام لنفس النهج، فإن الدعاوى لتقرير المصير لم تتوقف. ورغم عدم النجاح الظاهر أمامهم، ومع أن إنفصال الجنوب لم يأت بأي قصة نجاح، إلا أنه ما زال هناك للأسف الشديد آخرون في الوطن يدعون لتقرير المصير.

 

– كيف يمكن إيقاف الحرب الأن في السودان؟

بتغيير السياسات، وصدق النية في إحلال سلام حقيقي عبر آليات كلنا مستعدون لها وندعو لها.

 

سألت: ما هي أبرز التغييرات التي سيقوم الصادق المهدي لو عاد من جديد لرئاسة الحكومة؟

أجابت بثقة: سيقيم سلاماً حقيقياً. ولا يمكن أن يكون هناك سلام دون عدالة، وهي العدالة الإنتقالية وليست العدالة الجنائية. فنحن لا نريد أن نقتل أو نشنق الناس. ولكن من حق الناس إن وجدوا الظلم والقتل والتهجير من منازلهم أن يجدوا العدالة والإنصاف. لذلك عندما نتحدث عن مفهوم العدالة الإنتقالية يجب أن يكون هناك مفهوم حقيقي للمواطنة، نتعرف على بعضنا البعض، نهتم باحتياجات بعضنا مع الأولوية للمناطق التي تحتوي نزاعات وحروب للتنمية والإعمار، ونتحدث عن تنوع في الإقتصاد السوداني وإعادة الجدول للقطاع الزراعي والنباتي والحيواني. فضلاً عن ذلك، علاقة جيدة مع كل الدول المجاورة. حيث التكامل والتعاون وليس تخويف بعضنا البعض. لذلك يجب أن يكون هناك مؤتمر للأمن الإقليمي، وعلاقة متوازنة مع العالم قائمة على الإحترام والإلتزام بالأسس الشرعية الدولية. وبالتالي نطلب من دول العالم مساعدتنا في الإعمار وغيرها، ويسمح لنا أن ننمو بالطاقة الرخيصة، كما نطالب بإعادة إعمار للبيئة. ومن المهم أن تكون هذه الأمور ضمن برنامج نتكلم عنه في المستقبل إن شاء الله.

 

وكان سؤالي الأخير لها: الصادق المهدي في 82 من عمره المديد… هل ما زال يمارس لعبة التنس؟

قالت مبتسمة: نعم بالتأكيد يمارس لعبة التنس بصورة منتظمة ، ثلاثة أيام في الأسبوع ، وما شاء الله عامل فيها مجهود كبير.

 

 

صحيفة شرق وغرب اللندنية