د. مريم المنصورة الصادق المهدي تكتب: اربعة و عشرون عاما من الإنسانية

الدكتورة مريم الصادق المهدي
الحبيبة الدكتورة مريم المنصورة المهدي والحبيب الأستاذ عادل شريف خاطر وإبنتهم الحبيبة سراء

 

 

اربعة و عشرون عاما من الإنسانية

 

تعرفت عليه في مكتبه.

 

فقد ذهبت له و أنا اعرفه بالاسم دون الشكل. وصفته لي صديقتي منذ الطفولة و زميلته: الحبيبة نجلاء الرفاعي، بينما كنا نبحث عن دواء معدوم في يوم قائظ من شهر يوليو 1992، للحبيبة خالتي نفيسة سالم -رحمها الله و اكرم نزلها- والدة صديقتنا منذ الطفولة اليافعة أيضًا الحبيبة نجوى قدح الدم.

وصفته بأنه إنسان هميم يعمل على مساعدة الناس بتوفير الأدوية -التي عز وجودها في ذاك الزمان- هو وصديقه الكابتن الطيار في الخطوط السودانية “كابتن وداعة”. و انهما لا يرجوان من ذلك العمل اجرا و لا جزاءا و لا شكورا من احد؛ سوى خدمة الناس و المساعدة.

ذهبت له في مكتبه بلبس الأطباء مستقلة باص المواصلات العامة من مستشفى سوبا الجامعي يرافقني زميلي احد طلاب سادسة طب الخرطوم و الذي كان معنا في وحدة مستر طارق إسماعيل جراح الأطفال الإنسان. ذهبت في رحلة البحث تلك  و أنا مكلومة بمرض استاذي و قدوتي مستر طارق، الذي اصيب بالتهاب هو ونائبه جراء عدوى من طفل اثناء إجراؤهما عملية جراحية له. سألت عن الاسم الذي اعطي لي موظفة الاستقبال بمكتب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بنمرة 2:( ابحث عن استاذ عادل شريف). و لحسن حظي وجدتها زميلة لي و قابلتها بعد طول غياب، فقد كانت زميلة لي في الكشافة (المرشدات)- ام درمان؛ الحبيبة الضاحكة المبهجة عواطف -رحمها الله.

اتصلت تلفونيًا؛ فخرج علي بعد قليل شاب مرتب الملبس و منسقه، هادىء مقل الكلام، و شديد التهذيب… هذا كان انطباعي الأول عنه.

قصتي معه كمثل التقاء المياه الجامحة و هي تمور في نهر القاش عند مدخل تسني، بالماء المنساب بهدوء أمام شواطيء مدينة عبري في الصيف.

قصة فيها بعض معاناة و كثير سعادة ، بعض حزن و فرح، بعض ألم و كثير رضى.. و لكن ما غادرها للحظة المودة و الرحمة و لا السكنى. و لله الحمد. وهبنا الله من الذرية بنات و بنين: سراءتهتدون (28/12/1996)، عزة (18/12/2001)، رضوان (8/9/2003)، طاهرة (13/11/2004)، و التوأم الصادق و شريف (21/5/2006).

انطباعي الأول عنه لم يتغير على مر السنوات، بل ازداد معان و معارف أخرى بعد ان تزوجنا.

 

و قد كان زواج على عدة مراحل:

 

  •  عندما تقدم لخطبتي من أبوي في ظروف صعبة كنا فيها الملاحقين و المتهمين و المحاصرين في أواخر العام 1992.
  •  و بعد ان وافق أبوي عليه و تم العقد في 22/9/1995 -أمي وافقت عليه من اللحظة الأولى. و أمي عرجون وافقت عليه حالما التقته، مع انها لم ترض ان اتزوج بغير طبيب مثلي، فقد رأته في منامها على انه عريس ابنتك مريم- بعد تحر عنه و أسرته استمر لأعوام.
  •  الزفاف في 24/2/1996

 

عادل شريف احمد خاطر؛ الرجل الإنسان.

 

كل يوم مر علينا منذ ان عشنا سويًا منذ 24 عام تزداد معرفتي به و تجربتي معه في مختلف الأمور الحياتية اليومية، التعامل مع اولادنا، التعامل مع أسرته و اسرتي، التعامل مع أصدقائه و معارفه، التعامل مع العاملين لدينا في المنزل، التعامل مع زملائه في العمل -الذي لم يبارحه منذ التقيته-، التعامل مع الناس في الشارع، التعامل مع المحتاجين، التعامل مع نفسه…

هو الإنسان المتجرد الزاهد المهذب المعطاء البار بكل علاقاته على رأسها أمه و ابيه. دوما بعيد عن الأضواء و الصفوف الأمامية، التي لا يتقدمها الا بتعتيم شديد في العطاء و البذل لمساعدة الغير.

لا اريد ان اقصم ظهره بالحديث عنه. فهو لا يعرف كيف يكره، الا عرضه تحت الأضواء التي تكشفه بها طريقتي الصريحة في الحديث، و عملي في السياسة و صخبها.

قال الرحمن في محكم تنزيله:(اما بنعمة ربك فحدث).

احمد الرحمن و اشكره ان قيض لي ان التقيت هذا الإنسان و ارتبطت به. كنت انشد زوجًا يحفظ القرآن فآتاني الله زوج يحفظ ما يحفظه عامة السودانيون من القرآن، و لكنه يتمثل القرآن و يعيشه بكل خلجة من خلجاته، يخاف الله في السر و العلن، ملتزم بمكارم الأخلاق في كل تفصيل من تفاصيل الحياة بلا تملق و لا تعال. لم يلتح -الا في أوائل سنوات زواجنا بإلحاح مني- و لكنه يعشق نبينا و يحبه و يسير بسنته بلا رياء و لا تمشدق. أعطاه الله ما يثقل الميزان يوم القيامة: حسن الخلق.

يحب الناس كلهم، لم يصعر خدا، و لم يصغر احدا. يتعامل بالاحترام و المودة و الرحمة مع اصغر ابناء و احفاد أخواته الى اكبر أعمامه و أخواله، و كل من يتعامل معه، بإنسانية تلقائية و أدب جم.

الله يعزك يا عادل و يحفظك و يرضيك دوما.

اعلم ألمك العظيم في فقد شقيقتك الانسانة البارة -التي كانت اشبه الناس بك- و من قبلها زوجها صديقك. و شديد اهتمامك بأبنائهما اولادك مصطفى و معتز و علياء، و ان تكون لهما العوض في السراء و الضراء. بإذن الله يعوضهم الله خير العوض فقد احسن أبويهما تربيتهم و تعليمهم. و الله خير حافظاً.

الله يحفظكم جميعا أسرة سودانية جميلة، عمي شريف معلم المعلمين و مربي الأجيال، و خالتي نفيسة السيدة العابدة الصبورة، و فتحية السيدة المدبرة الحكيمة، و سمية السيدة المناضلة الواعية، و عماد الرجل الحنين، و فدوى السيدة البارة المؤمنة.

الله يفرحنا بأولادنا و بناتنا. بنجاحهم و صلاحهم و فلاحهم.

التفصيل في الحكي عن إنسانيتك يعزيني عن كثير عنت و شقاء ألتقيته، و الإسهاب في الحديث عن إنسانيتك يسليني و يزيل عني الألم الذي اصابني من شائعات مغرضة او  ظلم وجدته. و لكني أتوقف احترامًا لايثارك البعد عن الأضواء.

اهنيء نفسي باربعة و عشرون سنة مرت علي منذ ان تزوجنا. اربعة و عشرون سنة برفقة الإنسانية المتجسدة في عادل شريف، الزول الظريف.

و لا ادري ما الذي ستقوله في ذات الرفقة التي قدمتها لك. و لكني اعلم انها ممكن تكون اي شيء، سوى انك لا يمكن ان تقول عنها: مملة:).

و على كل أقول… كل سنة و نحن في مودة و رحمة و سكنى.

حفظ الله ابي و أسعده و أرضاه بصلاح الوطن و استقراره. و اسعد اخواتي و اخوتي و أزواجهم.

جعلنا الله انت و انا و اسرتينا و اولادنا كلهم: اولادنا و أولاد أخواتك و اخوك، و أولاد اخواني و اخواتي جميعا في مودة و رحمة و سكنى و رضى و عطاء فيما يرضي الله و يسعد خلقه.

 

 

مريم المنصورة?

24/2/2020