حوار مع الدكتورة مريم الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي في الميدان

جريدة الميدان - الخميس 17 سبتمبر 2015م الموافق 4 ذوالحجة 1436ه - العدد رقم  3012 - الصفحة 3
جريدة الميدان – الخميس 17 سبتمبر 2015م الموافق 4 ذوالحجة 1436ه – العدد رقم 3012 – الصفحة 3

علي شرف ذكري إنتفاضة سبتمبر

الدكتورة مريم الصادق (للميدان) :

لم ولن يستطيع النظام كسر شوكة مقاومة الشعب، وإصراره علي التغيير نتائج هبة سبتمبر مؤثرة على مستوى الشارع والسلطة

إنتفاضة سبتمبر 2013 علامة (فارقة) في مسار النضال والمقاومة الشعبية أري الإنتفاضة القادمة المدهشة رأي العين

الخميس 17 سبتمبر 2015

علي شرف الذكري الثانية لانتفاضة سبتمبر المجيدة، جلست (الميدان) مع الدكتورة مريم الصادق المهدي، نائبة رئيس حزب الأمة القومي، وعضو المكتب السياسي للحزب، الطبيبة والقانونية، والرقم الصعب في حزبها، وفي قوي نداء السودان، في حوار حول ما حدث في سبتمبر 2013، وتداعياته، وكعادتها، فقد كان حديثها (السهل الممتنع)، الصريح والقوي، الذي بدأته باعتزازها بالصداقة العميقة الوفية التي تربطها (بنا)، فإلي مضابط الحوار (مع الحبيبة وهو لقبها المفضل) الذي ضمته قاعة الإجتماعات الأنيقة بدار الأمة بأمدرمان: 

حاورها :كمال كرار

المقاومة يوميةٌ وشاخصةٌ :

++ علي شرف الذكري الثانية لانتفاضة سبتمبر 2013، كيف ترين ما حدث آنذاك في سياق المقاومة الشعبية، والنضال الجماهيري لتغيير النظام ؟

أولاً لا بد من النظر لأشكال مقاومة الشعب المتصلة لهذا النظام الغريب، غريب لأنه جاء للحكم بالإنقلاب وبمؤامرة هدفت لإعادة صياغة المجتمع السوداني علي مستوى التركيبة السكانية والهوية والتوجه السياسي والاقتصادي، وعمل طيلة 26 عاماً علي هذه المشاريع. لكن الشعب لم يتوقف لحظة عن محاولات الفكاك والتعبير عن رفضه لهذه السياسات طيلة ال 26 عاماً، يوجد الآن من يزرعون اليأس والقنوط في الناس، والإيهام بأن النظام قوي، وأن الشعب الذي صنع ثورتين عظيمتين في اكتوبر 1964م وأبريل 1985م  لا يستطيع مقاومة النظام وإسقاطه، وهذه محاولات يائسة لتحطيم إرادة الشعب،وإدعاءات غير صحيحة. الشعب يقاوم باستمرار والأمثلة حاضرة في دارفور وكردفان والشمالية والنيل الازرق حيث الفداء بالموت، وهبات الطلاب وشهداء الحركة الطلابية منذ معسكر  العيلفون وحتي الأهلية وحركة المقاومة النقابية، ثم هذا التمازج السياسي والتجانس الذي تم علي مستوي الساحة السودانية، حيث يتحدث جميع من يعارضون النظام عن مخرج أزمة متطابق عند كل القوى السياسية وأولويات اقتصادية وسياسية واحدة.

المقاومة إذن يومية وبشكل واضح، وليست خبراً يأتي ثم يختفي، ولهذا فكأن المقاومة من شدة وضوحها وتواترها إختفت، بمعنى أصبحت واقعاً مستمراً نلمسه في حياة الشعب اليومية، ومكان تجمعاتهم سواء كان الأفراح أم الأتراح، أنظر إلي مقاومة الصحفيين لمصادرة الصحف، حيث أصبحت المصادرة من شدة تكرارها (لا خبر)، ولا ننسي الاحتجاجات المتواصلة لأهالي الحماداب، ام دوم، والجريف الحلفاية. الدولة فاشلة والقائمين عليها ليسوا أكفاء، والفساد في كل مرفق، والشعب لا يقبل هذا الوضع.

إنتفاضة سبتمبر نقطةٌ (فارقةٌ)، لأن طريقة تصدي النظام لها، والقتل بدم بارد، أدت إلي تعرية النظام بصورة لا تقبل الشك، فالقتل الذي كانت تتناقله الأنباء، قبل سبتمبر 2013م، في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، ومحاولات النظام المستميتة لنفيه، وتكذيبه، شُوهد في الخرطوم بالعين المجردة، وعلي مرأي ومسمع من الكل، وهذا ما لم يحدث من قبل بهذه الصورة التي رأيناها إبان انتفاضة سبتمبر 2013. فقد تصدى الشعب لبرنامج الحكومة الاقتصادي، وما سمي بالبرنامج الثلاثي، وعندما أقول أن سبتمبر (نقطة فارقة) فأنا أعني أن النظام لا يستطيع فرض برنامجه الاقتصادي كما يريد، علي حساب الناس، وأن القمع في سبتمبر 2013، وصل لأعلي درجة – وهي القتل المباشر – ولا يستطيع النظام أن يواصل القمع بذاك المستوى، هذا ما دفع النظام لطرح الحوار، رغم أنه يتميز بثقافة طابعها العناد غير المسبوق، ولكنه لجأ للحوار مضطراً بعد أن أدرك فشل القمع في كسر إرادة الشعب، وهكذا رأينا الدعوات المتكررة للحوار طيلة ال 20 شهراً الماضية .

الحبيبة الدكتورة مريم المنصورة الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي والقيادية بقوى نداء السودان
الحبيبة الدكتورة مريم المنصورة الصادق المهدي نائبة رئيس حزب الأمة القومي والقيادية بقوى نداء السودان

من نتائج إنتفاضة سبتمبر علي المستوى الانساني، أن الشعب بالداخل، والرأى العام العالمي، بات مقتنعاً أكثر من ذي قبل، بإرهاب الدولة المنظم، قياساً للقتل والدماء التي سالت في العاصمة والمدن الأخري، إبان سبتمبر 2013، وأن النظام نفسه بات يبحث عن حل أزمته الاقتصادية، عن طريق التفاوض مع دولة جنوب السودان، أو طلب العون الخارجي، بعد أن أدرك أن تحدي الشعب وقواه السياسية أمر غير ممكن، كما برهنت علي ذلك اإنتفاضة سبتمبر2013.  

ومن النتائج أيضاً بروز قوى شبابية مهمة كانت موجودة في بواكير 2011، أما في سبتمبر 2013 فقد أثبتت بقوة الفداء أنها حقيقية، وكان لها دورها المؤثر في الاعلام الالكتروني ومراقبة الأوضاع، وأصبح  لديها اعتبار من نوع حقيقي، وتقديم من نوع آخر. كما أن انتفاضة سبتمبر شقت صف المؤتمر الوطني بخروج مجموعة غازي عنه، لانهم كما قالوا لم يستطيعوا تحمل العبء الاخلاقي لقتل الناس، إذن هبة سبتمبر لم تمر مرور الكرام، والدماء لم تذهب عبثاً.

أيضاً حدث إيقاعٌ جديدٌ داخل أسر الشهداء، حيث أن معظمهم لم يكن لديهم  نشاط سياسي سابق، أو حراك في تلك اللحظة التي قتلوا فيها، الشهيدة سارة عبد الباقي جاءت تستفسر عن مقتل ابن خالها شهيب، فقتلت بدم بارد، والشباب من دار حامد وهم (ولدين) صغار ضربوا بطلقة واحدة، قتلت أحدهم فوراً واستشهد الآخر بعد بضعة أيام. والقصص تطول. هذا حراك من نوع مختلف، والشهداء هم وقود الانتفاضة الشعبية. دا نظام يكفي انك تكن ما منهم عشان يعاديك. محاولات الكذب شريط المؤامرة التخريبية. زي ناس جايين من برة وبسحنات بعينها المشير البشير قال مع الواشنطن بوست المحطات حرقوها بعد داك اتكلموا عن تحقيقات بعدها عن تعويضات كأنما الناس دايرين تعويض في اولادهم.  
حصل سقوط سياسي واخلاقي مكشوف بصورة غير مسبوقة وفجر ملف حقوق الانسان اللي كانوا قايضوه بانفصال الجنوب والاستفتاء. الآن مطالبة الناس بالخدمات بالكهرباء بالموية دا حراك شعبي رافض للسياسات وعرف ان لما يصادروا أراضي ما لمصلحة السودان بل لمصلحة افراد، الناس عرفوا وبقت في مقاومة في الحقوق، مقاومة متصلة. دماء الشهداء ما راحت هدر كل يوم المقاومة تزداد وتقوى المقاومة الشعبية والنظام يضعف وينكشف.

الانتفاصة قادة لا محالة:  

++ هل تعتقدين بإمكانية حدوث إنتفاضة جديدة علي غرار ما حدث في سبتمبر 2013.

أنا ما عندي لبس ولا أدن شك في امكانية حدوث انتفاضة جديدة، ومهما حشد النظام من أدوات القمع. (ومن مأمنه يأتي الحذر) كما يقال، الذين هم في السلطة الآن مقتنعين بأنهم روضوا الشعب، ويعملون كل يوم علي فرض المزيد من الإجراءات الديكتاتورية مثل الصلاحيات الواسعة التي منحت لجهاز الأمن في التعديلات الدستورية الأخيرة، والتي جعلته يأخذ صلاحيات واختصاصات جهات أخري كوزارة العدل، والداخلية والدفاع، من حيث فتح البلاغات، وإلقاء القبض علي الناس، وله مليشيات وقات بعتاد وتشوين، ويعلن عن(جاهزيتها) للقتال، كما لو انها جيش، وقائد هذه المليشيات يحظي بوضع عسكري وسياسي خاص، ودوننا التصريحات التي يطلقها بينما لا تتعدي صلاحيات جهاز الأمن في الدستور الانتقالي لعام 2005 جمع المعلومات وتقديمها للسلطة المختصة.

أيضاً هؤلاء الموجدون الآن علي رأس السلطة لديهم قناعة بأنهم قد أضعفوا مداخل الانتفاضات والثورات، وأضعفوا بالتالي ثقة الجماهير في نفسها، ولترسيخ هذا الاعتقاد يستخدمون مختلف الأجهزة الاعلامية والأمنية، ولكنني علي قناعة أكيدة بأن الشعب السوداني سيفاجئ النظام، واستفزاز الشعوب يحدث التفاعلات، ويزيد من وتائر المقاومة بكافة الأشكال، لا أستطيع أن أحدد متي سيحدث هذا، لكنني أراه رأي العين، إنتفاضة تدهشهم وتنفجر في وجههم انفجاراً كاسحاً.

++ما هو موقف المجتمع الدولي من النظام، بعد سبتمبر 2013؟

بعد إتفاقية السلام الشامل في 2005، وقبول النظام لاستفتاء تقرير مصير الجنوب، حدث تغيير في نظرة العالم الخارجي للنظام، من قبول واعتراف وتعامل، بيد أن ما حدث في سبتمبر 2013، أعاد النظر في كل هذه العلاقة، فقد تبين للعالم أجمع أن هذا النظام لا يتورع عن استخدام أقصي درجات العنف في حالة تهديد مصالحه وبقائه، فإطلاق الرصاص الحي علي المتظاهرين السلميين بهدف القتل، وقتلهم بدم بارد، وهذه الخطوط الحمراء المفروضة علي الأحزاب والعمل الجماهيري، ومنع الندوات، والمسيرات، وجلد السياسيين لمجرد مخاطبة سياسية في الأسواق، كل هذه التطورات شكلت موقفاً جديداً للمجتمع الدولي، خاصة بعد أن إرتدَّ النظام حتي عن الحوار الذي أطلقه سابقاً، وأقصي درجات هذا الارتداد كان غياب النظام عن المؤتمر التحضيري بأديس أبابا، واصراره علي الانتخابات التي أعلن المجتمع الدولي عن رفضه لها بصورة جلية ولم يعترف بنتائجها. المؤشر التاني علي مواقف المجتمع الدولي تجاه النظام، ما حدث في أديس أبابا مؤخراً من استقبال رسمي لوفد قيادات نداء السودان من قبل مجلس الأمن والسلم الأفريقي في 24/8/2015م والقرار 539، وتحميل النظام في المادة 20 منه مسؤولية التباطؤ في الحوار، والتأكيد بأن النظام يضع عراقيل في وجه التسوية السياسية، وان مهمة الاتحاد الافريقي هي إحداث التحول الديمقراطي في السودان، بما يعني تجاهل الإنتخابات الماضية التي لم تذكر في القرار بكلمة واحدة هذا تحول كبير جدا. 
هذا التحول هو نتيجة تبعات ومآلات إنتفاضة سبتمبر، والصورة الوحشية التي ظهر بها النظام للعالم، كنظام لا يأبه بحرمة المواطنين ولا للدين أو القوانين، العالم الآن يقتنع بأن السودان تحت ظل هذا النظام في خطر، وسينزلق للفوضى والتقسيم، بسبب الغبن والظلم الواقع علي الشعب. 

تصامن مع الشهداء والجرحى:

++ كلمة أخيرة في حق الشهداء والجرحي؟

عموماً كمجتمع سوداني وقوى سياسية نحتاج للعمل بصورة أكبر لحفظ ذكري الشهداء والقوف مع الجرحي. لا يغيب عن ذهني الدور الذي يقوم به مختلف المجموعات الشعبية، واللجان مثل لجنة قوى الاجماع، ولجنة التضامن، ولجنة أسر الشهداء ،والقانونيين والاعلاميين والأطباء -ـأطباء الثورة_ ولهم تحية خاصة. حتي الآن علي المستوى السياسي ما قدرنا نعمل ما هو مفروض علينا من توحيد وتكامل الجهود، لكنني في هذا المقام أحيي تحية وطنية نضالية خالصة الشهداء الذين نذروا أرواحهم ونحن نقف مع أسرهم إلي أن يجدوا حقوقهم وأولها الكشف والقبض علي القتلة والجناة ومحاكمتهم، ثم الاعتراف بالظلم الذي حاق بالشهداء ومحاولة إشانة سمعتهم باعتبارهم مخربين، أيضا بنفس القدر الوقوف مع الجرحي وتولي أمر علاجهم ومن حدثت لهم إعاقات وكيفية مساعدتهم علي مستوى المعيشة والاعتبار الوطني. 
كل هذه التداعيات والتطورات بعد انتفاضة سبتمبر 2013 تحملنا – كقوى سياسية وشعبية- مسؤولية تخليص الوطن عبر وحدتنا، عايزين بديل ليس بتغيير الافراد بل بما يجعل السودان وطنا يؤمن بالمواطنة أساساً للحقوق والواجبات، نظام ينقل السودان لمرحلة جديدة أساسها الديمقراطية والحرية، نظام يتفاعل إيجاباً مع محيطه والعالم الخارجي.

الميدان