حوار مع الحبيبة د. مريم الصادق المهدي في صحيفة اليوم التالي:- الجزء الثاني من الحوار

الحبيبة الدكتورة مريم الصادق المهدي القيادية بحزب الأمة القومي
الحبيبة الدكتورة مريم الصادق المهدي القيادية بحزب الأمة القومي

عتبة أولى

 

من بنات أم درمان اللاتي شاهدن جيل البطولات اباء وأجدادا, ولعبن (بنوت الدلاقين) و (بنوت الكبريت) و (كمبلت). عشن في بيوت مفتوحة في زمن الظرفاء والفوانيس والبريد. لم تأت الزحمة والجرائم والامتدادات (بعد).

 

كان برنامج ربوع السودان يفوز ودرب الأربعين ما زال أخضر والسياسة في طورها المثالي ولون الحياة أخضر بلون الزراعة, الأمان موزع وعصر الحقيبة يختفي والتاريخ يكتب لتوه. بصات أبو رجيلة والترماج وقطار الثامنة, حديث الشعب, والمدارس بعدد أصابع اليد ذلك اذن زمان قديم, لم تكن الدكتورة مريم فيه سوى فتاة مدرسية, تلهو وتلعب, وطاهرة أختها تجير رجل السنبرية, المكياج بالكاستر ولا توجد مواعيد غرامية, وهاهي الأيام تضع حكمها القوي على الملامح والمسؤوليات والهموم والأدوار. (أم سراء) تلهث وراء ال(24) ساعة لتقضي أمورها كما ينبغي. مرت تحت الأيام أنهار من الأحداث, موت ومرض واختفاء ونفي والام وتعازي وأولاد جدد وبنات بدلا عن اللعب هن الان في الجامعات والمدارس. جزء من حراك واسع مع التيار وضده والجواليك تملأ الدنيا من أركانها والى هدا الحد تبدلت الدنيا تماما, بطباعها القاسية. هي لا تترك لكهل أن يعود للماضي, سيصاب بالأمراض لا محال وغالب الظن سيموت, ولا تقف الدنيا لطفل يريد أن يلعب تحت شجرة النيم الغزيرة يصطاد الطيور ويجمع الثمار المرة, بل ستقوده للأمام فيصبح رجلا ويتزوج ويصبح له أبناء فيتعرف على الغدر والخيانة والوفاء يدفن الأحبة ويفارق الأصحاب والأصدقاء.. طبعا..

هذه هي أجواء الحوار مع الدكتورة مريم الصادق, كشفت المستور بشجاعة واعية وخصت (اليوم التالي) بسيرة ومسيرة وأسرار تنشر مع تفاصيل سودانية. كانت مريم صريحة جدا وعلى درجة من الأمانة وهي تحكي عن كل شئ تقريبا..

 

فالى الحوار (الخاص) والممتع جدا و (حقوق الطبع محفوظة).

 

زيارة خاصة

الأثنين 4 رجب 1434ه

الموافق 13 مايو 2013م

العدد (103)

 

مريم الصادق “2”:

 

“اتخلعت” عندما أجهش أبوي الامام بالبكاء

 

“نحن متعافين جدا” بفضل الله وحكمة كبارنا

 

الامام لما يتكلم مع الدبلوماسيين بيفتح ليهو جناحين ويطير .. فلسفة وعلم

الخرطوم – صديق دلاي

الحزب لم يتكرم باطلاق “أوضة” في داره للوفاء ببعض ما أعطت أمي سارا

 

الامام يبهرنا بصمت وهناك اثنان من اخوتي عاشا من أجله

 

منذ رحيل الحبيبة سارا حصلت لي حالة تشبث مرضية بأبوي و”اتلصقت فيهو”

يقال “الأب في الأولاد عندو ولد وفي البنات عندو بنت”؟

(كل زول عندو حوبتو) وأهم قيمة علمنا ليها أبوي الامام التعامل مع الاخر والناس أجمعين, والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال أصحابي كالنجوم, وكان أبو ذر مختلفا عن سيدنا عثمان, فالخير ما عندو قالب معين, اذا وجد عند صديق غاب عن مريم.

وبالمعنى دا؟

وبالمعنى دا أبوي ربى فينا أن نتمثل المعاني, مش شكل التصرفات, أن تكون مفيدا لوطنك وأهلك, فالمعاني هي الأساس.

من منكم تحصل على أكبر حصة من طباع السيد الامام؟

(سؤال صعب جدا) لأنو أبوي مر بطباع كثيرة, ونجتهد أن نكون مثله بتمثل الحاجات “المهم ما عندي حكم معين”.

حاولي الاقتراب والفحص وقولي البسيط اليسير.

بالنسبة لي الامام يبهرنا بصمت, وهناك أثنان من اخوتي عاشا من أجله, ولهما علاقة خاصة به, محمد أحمد وبشرى. محمد دا فيهو سر, “صبور وجميل جدا من جوة وزول ذاكر, ما نار لاهبة لكنه دفء” وهو شمسنا المشرقة, أما محمد عبدالله فيهو حياء عجيب من أبوي بيختشي شديد منو.

كيف يميزهم ويتعامل معهم؟

أبوي الامام لا يطلب أي شئ من زول, يقوم يصب الموية لوحده والشاي, ولذلك نقوم بمراقبته ليطلب شيئا, فاذا قام سبقناه, ولكن في حالة بشرى ومحمد أحمد كان يطلب منهما, واذا زهج يزهج فيهما, وهذا نادر جدا.

تهذيب فوق التصور؟

بالخصوص محمد أحمد ومحمد عبدالله وبشرى هم زي جزء من بعض, وأظن أبوي بيشوف فيهم روحو, وكنا نقيس مزاج الامام بتعامله مع هؤلاء, ولا ينهر أي زول سواهم.

ولكن المشهور أن الامام يحب مريم أكثر وأعمق؟

لا لا لا “دي هي الحقيقة”, ومن رحيل الحبيبة سارا أمي حصلت لي حالة تشبث بأبوي (اتلصقت فيهو), اذا كان مسافرا أوروبا أتصل بتلك الجهة وأحصل على فيزا وأجهز حالي ويجدني معه لسلم الطائرة, ولا يسألني وأنا أرافقه, وأظن أنه كان يفهم شيئا من ذلك الاحساس “التشبث به والتعلق”, وبعد رحيا سارا أمي أحسست لازم أحميه.

الامام مسيطر على جميع أحاسيسكم؟

روحيا ونفسيا وعقليا, امتلاك كامل وهيمنة. ذات مرة رافقته حتى صالة المغادرة ومن شدة التعلق قلت “بس أمشي معاهو”, وقلت لبشرى: “عاوزة أكلم أبوي في سيارة المطار لسلم الطيارة” – عاد عباطة العدو – وسألني بأدبه الجم: “ماشة معاي؟”, وملأت عيوني منه كما امتلأت بالدموع, ومن جوة شديد قلت: “في وداعة الله”.

أبوك فعلا باهر؟

أبوي دا فعلا يبهر كثير من الناس بكلامه في الراديو والتلفزيون, ولكن أنا شفته بيتكلم مع الدبلوماسيين بيفتح ليهو جناحين ويطير ويطير ويطير, فلسفة وعلم. وأنا شفت بعيوني كيف تحترمه تشاد وتقدره لأنهم أنصار يتعاملون بحب عميق وبالفعل عندو مستوى عال من كل المرجعيات.

دموع الامام الصادق المهدي؟

(اتخلعت) أول مرة أشوف أبوي يبكي باجهاش وصوت “ها ها ها هي هييييييييي”, وبالضبط في الثمانينيات كان يحكي لنا السيرة النبوية وسيرة أسرتنا وعائلتنا الكبيرة أهلنا وتاريخنا فحكى عن جده الامام عبدالرحمن وكنا في (سلاو) بريف لندن, أجهش بالبكاء.

أظنه بكى في وفاة عمر نورالدائم بدموع نادرة غالية؟

كنا في مصر وكان الامام يجتمع ببعض الأنصار, وضرب لي الأمير عبدالرحمن وقال لي: “يا مريم عمي عمر نورالدائم توفي وعبدالله اسحاق”, فقلت له: “عمر منو وعبدالله اسحاق منو”؟ والله العظيم من الهجمة ما عرفتهم, فنهرني وقال: “الموت حق” وتشهد في أذني وقلت: “لا حول ولا قوة الا بالله”, وأمرني وقال: “كلمي أبوي”.

خبر صعب جدا كيف أخبرت الامام؟

هجمت أبوي وشلت ليهو الفاتحة وأخبرته أن عمي عمر وعبدالله توفيا في حادثة حركة, رجع للوراء ليتأكد مني أنا مريم ويسمع صوتي, ورددت له الخبر, فغطى وجهه بالعمة, وغمغم بلغة أخرى, وانفض الاجتماع ودخل لغرفته, وما زال يضع العمة على وجهه وكانت دموعه تنزل بدون صوت.

وقال ليك..

قال لي اتصلي بأخيك عبدالرحمن لفتح القبة.

ولكنه لم يبك في شأن سياسي؟

بكى في ورشة لمشروع الجزيرة ومن قريب بقى يبكي كثير لحاجات الوطن.

طبعا دموع غزيرة لأمك سارا.

“دي كلامها براهو”.. أمي كانت أم اخوانها, وأم حبوباتها, مثال للايثار للاخر, البعيد والقريب يقول ليها أمي سارا.

كانت الزوجة الثانية.

دي قصة طويلة فالامام عبدالرحمن أشار عليه أن يتزوج من أمي حفية, فأجاب أبوي ب”نعم”, ولكنه أضاف لجدي وقال: “أنت تعرف أنني سأتزوج مرة ثانية؟” فرد الامام: “خير”, وفي القيقة كان أبوي على علاقة وطيدة بأمي سارا وعلى حب كبير.

عادات الزواج في بيتكم الكبير موجودة؟

جدي الامام الصديق تزوج في عام واحد زوجاته الثلاث: ” بت عمتو لزم, وبت خالو لزم, وبت عمو لزم”, ولم تكن رغبته للزواج ذاته, بل لربط الأواصر وتقوية العلاقات.

سافرت أمك سارا الى الولايات المتحدة مبكرا؟

سافرت بتشجيع من الامام عبدالرحمن, وحاولت الرجوع بعد وفاة الامام عبدالرحمن بعام من سفرها, لكن جدي الصديق قال لها: “لن أضمن لك الرجوع الى أمريكا لأنني لا أستطيع أن أحميك”, وبعد عامين فقط توفي جدي الصديق.

تعقدت الأمور جدا, وتزوج أبوك من السيدة حفية مأمون.

اشتغلت في ( UN ) وعملت علاقات واسعة في العمل التطوعي, وعملت ماستر بجامعة ميامي في علم الأجناس, وأكثر من ذلك, عينوها رسميا موظفة بالأمم المتحدة في اليابان.

ومع ذلك عادت للبلد؟

جات عشان تشوف الأهل, تعزي من تعزي, وتعرف “الحاصل شنو” بعد خمس سنوات غربة وهجرة.

تشوف ايه الحصل؟

الحصل وجدت أبوي متزوجا, وقام خطبها دكتور داود مصطفى من ناس توتي, “ما عارفة شافها وين؟”, فتقدم أبوي لخطبتها وتم الزواج, وأمي عشة وشامة أخوات شقيقات, وشامة لم تحضر العرس, “كان شئ صعب حسبما أخبرونا وعرفنا وكان في ضغوط فظيعة”.

ملاحظتي أثناء سردك الانطباعات عن اخوانك وأخواتك لم تذكري “ديل بنات أبوك وديل شقيقاتك”؟

مستحيل أن تجد احساسا بهذا المعنى, “نحن متعافيين جدا”, بفضل الله وبفضل كبارنا.

ولكن حتى الان لم يكرم حزب الأمة تلك المناضلة الجسورة طوال حياتها في دهاليز حزب الأمة القومي؟

حزب الأمة لم يتكرم باطلاق اسم أوضة في داره للوفاء ببعض ما أعطت. وأذكر أيام العزاء الكل يقول انها أم الجميع, ولا نعزيها الا بهذا المعنى. وهي ولدت كل الكوادر وعملت تلك الروح, فاذا خرج الزعلان من الحزب عاد اليه ملاذا امنا.

تركت فراغا كبيرا؟

(ما فراغ) ولكنه ذلك الفقد الجلل.

كان من أصعب أنواع الرحيل على العائلة والحزب والأنصار.

ذهبت الى الدوحة فبكوا معي وقالوا انها أمنا كلنا, وذهبت لألمانيا فبكوا معي, وفي أبوظبي الواحد يبكي ويقع “رب” على الأرض. “ديل هم عزاي الوحيد”, وفعلا هي أمهم كانت بترسل للناس هدوم العيد.

ومع الأيام الصبر جميل يا مريم؟

تصور في زمن تجاهل المركز ناس أنصار من نيالا يبادروا بتأبين أمي في الأربعين, وهم في قمة معاناتهم في التشرد والحرب بكوها بالرغم من جراحهم, وأنا زعلانة عشان في ناس غمطوها حقها بدل الثناء عليها وهي (ما قصرت في الحزب) وأعطته وقتها وزمنها واهتمامها وكان جزاءا من أهداف حياتها الأساسية.

(مريم أجهشت بكاء عندما وصلنا الى هذه اللحظات من حوارنا معها).

اليوم التالي

ملحوظة قامت سودانيوز بطباعة الجزء الثاني من الحوار فقط لعدم قدرتها من الحصول على نصخة من الجزء الأول منه