حزب الأمة القومي: نحو عقد اجتماعي جديد

حزب الأمة القومي

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حزب الأمة القومي

نحو عقد اجتماعي جديد

26/3/2020م

 

مقدمة:

لكي يوصف حراك بالثورية ينبغي أن يعمل على إسقاط النظام القائم. ولكي يوصف الحراك بأنه ثورة فإن عليه أن يضيف لمشروع الإسقاط وجود قيادة مركزاً للقرار، وبرنامج لإقامة نظام بديل.

الحراك الموصوف بالربيع العربي توافر له الشرط الأول وغاب الشرطان الآخران، ما أتاح الفرصة لتحكم ثورة مضادة.

1. ثورة ديسمبر 2018م في السودان توافرت فيها صفات فريدة هي:

  •  النفس الطويل الذي تراكم ثلاثين سنة.
  •  الحراك العريض في الأقاليم وفي المدن لاسيما العاصمة والمثابرة على المواجهة 6 أشهر حتى سقوط النظام الظلامي.
  •  وجود قيادة جسدتها قوى الحرية والتغيير.
  •  وجود برنامج عبر عنه إعلان الحرية والتغيير.
  •  كان متوقعاً للمواجهة أن تستمر لولا أن اللجنة الأمنية المكونة للقمع خذلت الطاغية وقررت الانحياز للثورة.
  •  انحياز اللجنة الأمنية بكل مكوناتها لا سيما القوات المسلحة والدعم السريع وجهاز الأمن والشرطة ساهم في جعل التغيير هبوطاً ناعماً، وفي جعل المجلس العسكري المكون من أركان اللجنة الأمنية شريكاً في التغيير.
  •  عن طريق التفاوض بين المكون المدني الثوري والمجلس العسكري اتفق على وثيقة دستورية تحكم فترة انتقالية لمدة ثلاث سنوات تعقبها المرحلة الثالثة للثورة، أي إجراء انتخابات عامة حرة احتكاماً للشعب.

2. لقد عملنا على تغذية التراكم الذي أثمر هذه الثورة ورأينا أن تكون الفترة الانتقالية بقيادة خبراء ولكن بعض حلفائنا حرصوا على محاصصات أتت بنتائج فاشلة ومستفزة، أوصلت البلاد إلى مشارف هاوية تنذر بانقلاب يبدد المصير الوطني. فمنذ قيام الحكم الانتقالي في 21 أغسطس 2019م ظهرت عيوب أساسية في الأداء أهمها:

  •  اضطراب موقف القيادة السياسية بصورة مخلة، فالمجلس القيادي المتفق عليه خيال مآته، والمكونات التنفيذية التابعة له نظرياً منفلتة، ولجان المقاومة ذات العطاء الثوري لم تعبر من المقاومة للمساهمة.
  •  النتيجة أن الشرط القيادي السياسي للثورة تفكك. بل صارت بعض مكونات التحالف الثوري سادرة في مواقف حزبية، وأخرى تفاوض مجلس السيادة بلا تنسيق مع نداء السودان الذي كانت جزء منه، ولا مع الحرية والتغيير. ساهم في ذلك اتجاه المجلس للتفاهم المنفرد مع بعض مكونات الحرية والتغيير.
  •  إعلان الحرية والتغيير لم يمنع بعض مكوناته من المزايدات لدرجة المناكفة.
  •  الاختلاف حول الملف الاقتصادي صنع اصطفافاً حاداً بلا إمكانية لاحتوائه.
  •  تناول ملف السلام دون منهجية إستراتيجية فتح المجال لمزايدات ومطالبات تعجيزية من ناحية القوى المسلحة، ولتنازع اختصاصات بين أطراف الحكم. ولتدمير الوثيقة الدستورية التي تشكل الأرضية الصلبة التي تقف عليها كل ترتيبات الفترة الانتقالية.
  •  المجلس القيادي أو المركزي غير مؤهل لحسم الاختلافات وهو على أية حال مكون بصورة خالية من التوازن، وبلا معايير موضوعية فقد حرم مشاركة بعض المبادرين بالتوقيع على إعلان الحرية والتغيير، وأدخل جهات غير موقعة استناداً لتحيزات حزبية أو شخصية.
  •  حتى نداء السودان وهو مكون أفضل حالاً من الجسم الأكبر، أي الحرية والتغيير، مصاب بأمرين هما: اختلاف بين مكوناته المدنية وانفلات عضوية القوى المسلحة منطلقة في مفاوضات مع المكون السيادي بلا توافق.

الحقيقة أنه لا نداء السودان قابل للاستمرار بشكله المتفق عليه ومن باب أولى عدم الجدوى يسم الحرية والتغيير فما العمل؟

3. الاستمرار في الشكل المختل لا يجدي بل يمثل تنصلاً عن المسئولية الوطنية. المطلوب بإلحاح العمل من أجل تكوين اصطفاف تشترك فيه القوى السياسية والمدنية الجادة، وتشترك فيه لجان المقاومة المستعدة لدور بناء بعنوان مؤتمر القوى الجديدة. إنها قوى كان لها دور مهم في نجاح الثورة، وهم يمثلون جيل الإنترنت الذي نشأ دون رقابة رأسية من كبار وبانفتاح أفقي من الأنداد.

لقد كان لتجمع المهنيين دوره المهم في الثورة. لقد حاولت قوى قليلة الشعبية اختراقه ولكن أمامه في مرحلة بناء الوطن تطوير تنظيمه لحزب سياسي فيه تراتبية ومساءلة أو لنقابة مفتوحة لمهنيين وفق قانون نقابات ديمقراطي يلتزم مبدأ لكل حزبه والنقابة للجميع.

كذلك ساهم المجتمع المدني بدور مقدر في مقاومة النظام المباد، ولكن لا صحة للأفكار التي يروج لها البعض بطرح المجتمع المدني بديلاً للأحزاب السياسية. وكما هو متعارف عليه عالمياً فإن دوره يقتصر على التوعية والرقابة ورفع قدرات المجتمع وتطويره. وبالمثل لو أرادت تكوينات المجتمع المدني المنضوية في الحرية والتغيير لعب دور الأحزاب فعليها تكوين حزب أو أحزاب سياسية تتيح لها ذلك.

هذا الاصطفاف الجديد هو قوى الحرية والتغيير بعد أن تطور تنظيمها إلى جبهة وتضع ميثاقاً لها هو العهد الاجتماعي الجديد. ينبغي تطوير التحالف باتجاه جبهة متماسكة بقيادة مساءلة.

4. التنظيم المنشود لا يجدي ما لم يتخذ برنامجاً مفصلاً أهم معالمه:

  •  وضوح الرؤية الفكرية حول الدين والعلمانية مؤسسة على مدنية الدولة والفصل بين المساواة في المواطنة والانتماء الديني.
  •  الالتزام بمنظومة حقوق الإنسان الأممية ومبادئ المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون أساساً لنظم الحكم.
  •  الالتزام بنظام اقتصادي يكفل السوق الاجتماعي الحر الذي يحقق التنمية والعدالة الاجتماعية.
  •  الالتزام بالسلام العادل الشامل القائم على استراتيجية إزالة أسباب الاقتتال وإزالة آثار الاقتتال في كل مكان وعدم السماح لمنبر السلام أن يختطف لأية برامج سياسية مكان التنافس حولها هو الانتخابات العامة الحرة. التناول غير المنهجي لملف السلام فتح المجال لجهات تستغله لما ينافي السلام.
  •  ضرورة الاهتمام بالمكون العسكري في البلاد. المكون العسكري شريك حقيقي في التغيير بالانحياز للثورة وحمايتها. وينبغي أن يشترك في تحقيق العدالة الانتقالية، العدالة الانتقالية تقوم على بيان الحقائق وإنصاف الضحايا والتعامل بمبدأ العدالة الترميمية. وعلى العسكريين أن يلتزموا بتوحيد المؤسسة العسكرية، وبميثاق حماية الكيان المدني والاستعداد مستقبلاً في ظل الدستور الفصل التام بين العسكرية والسياسة، وما سوف يفصله الدستور لدور القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في بناء الوطن.
  •  يتفق على أساس لمشاركة القوى السياسية والمدنية التي ساهمت في معارضة النظام المباد في المرحلة الانتقالية، كما تخاطب جماعة المؤتمر الوطني أن تقوم بنقد ذاتي معترفة بما أرتكب من خطايا الانقلاب والإقصاء والتمكين والاستعداد للمساءلة القانونية لمن ارتكبوا الجنايات.
  •  يتفق على إقامة العلاقات الخارجية على التوازن العربي الأفريقي الإسلامي الدولي فالسودان متعدد دوائر الانتماء، وينبغي أن يراعيها وأن يوفق نشاطه فيها.
  •  الالتزام بإحسان إدارة التنوع الثقافي والجهوي والنوعي والعمري لإزالة الغبن. وإزالة التمكين. وإصلاح أجهزة الدولة العسكرية والمدنية وإنصاف المفصولين، وتطوير الخدمات الاجتماعية وفق خطة تراعي الأولويات والتوازن بالتركيز على إزالة آثار الحرب والمناطق الأقل نمواً، إضافة لتحقيق العدالة الاجتماعية عبر برامج رعاية اجتماعية موجهة لمكافحة الفقر، والاهتمام بشكل خاص بالعدالة الانتقالية والقصاص للشهداء، وغيرها من المهام الواردة في الوثيقة الدستورية.

5. هناك مهام عاجلة ينبغي الالتفات لها وإنجازها بكفاءة تتجاوز عثرات التكوينات الحالية وتستنير من دروسها وهي:

  •  تكوين المفوضيات القومية المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية بأسرع فرصة.
  •  عملية السلام الجارية الآن في جوبا معيبة ولن تؤدي لسلام بل سوف تفجر حروباً جديدة وتؤدي لاستقطابات خطيرة في الجسم السياسي الهش أصلاً. ينبغي الإسراع بإصلاح هذه العملية بدءاً بوضع إستراتيجية لعملية السلام تضمن شموليتها والتزامها بأجندة السلام بعيداً عن أية طموحات وبرامج حزبية.
  •  الإسراع بتكوين المجلس التشريعي بصورة متوازنة تعكس حجم القوى السياسية وتعبر عن تمثيل حقيقي للشعب باتخاذ معايير موضوعية، مثلاً: عدد عضوية الحزب، دوره في مقاومة النظام البائد، حجمه النيابي في آخر انتخابات حرة، الخ.
  •  جدولة انتخابات التحول الديمقراطي بدءاً بالاتفاق على قانون الانتخابات المحلية وإجرائها فوراً، ثم انتخابات المجالس التشريعية الولائية وانتخاب الولاة، انتهاء بقانون الانتخابات العامة لتجري في نهاية الفترة الانتقالية.
  •  التراجع عن تأجيل المؤتمر الاقتصادي وعقده فوراً عبر الوسائط الإسفيرية (مراعاة للطواريء الصحية)، فالوضع لا يحتمل تأخير القرار بخصوص الميزانية. والاستعداد لعقد بقية المؤتمرات القومية المجدولة تباعاً.

6. منذ 6/9/2019م ظللنا ننادي بضرورة تشخيص حالة الوطن وإسعافه، وبعد بروز كل العيوب المذكورة صار الواجب الوطني أن نجهر بالتشخيص الموضوعي والعمل من أجل خلاص الوطن وإسعاف ثورتنا من التعثر بداخلها ومن ويلات الثورة المضادة في السودان وفي محيطه.

7. فجوات الوثيقة الدستورية سمحت لأطراف السلطة الانتقالية بتعدي اختصاصاتهم، المطلوب التوافق على تشريع دستور انتقالي للفترة الانتقالية.