الدكتورة مريم المنصورة المهدي تنعي السيد يول منكوير عليه رحمة الله

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

 

 

عزاء واجب

بسم الله الرحمن الرحيم

 

توفي امس الاول في مستوصف “ضحى” بالحاج يوسف الحبيب الرجل الانسان يول منكوير، والد ابني و حبيبي رفيق الدروب؛ مساعدي و ساعدي “وود”.

الحبيب يول منكوير احد قيادات دينكا ابيي. غادر الخرطوم بعد ان باع منزله فيها و توجه نحو جنوب السودان مقيما في واو اثر استقلال الجنوب، بعد ان سلمنا وود ابننا المشترك امانة في اعناقنا زوجي عادل و أنا.

لم ينقطع بيننا التواصل؛ مباشرة و عن طريق ابننا المشترك. الشاب الصارم الهميم، طيب القلب و الطوية. و بعد سنوات قضاها عمي يول في واو؛ قرر العودة للخرطوم قبل شهور، بعد ان سبقته زوجه الثانية ام اخوان وود الاصغر، و سكن المدينة التي احب: الحاج يوسف.

الحبيب عمي يول له زوجتان. الاولى ام وود، و هو ابنها الوحيد ولها ثلاثة بنات. احبهن وود حبا جما و حماهن فهو اخو بنات كامل الدسم. جميعهن خريجات جامعيات. احساسه نحوهن بالمسئولية و الحماية غامر.

و هكذا وود.. شديد الحماية و عال النخوة، همته لا تفتر و صبره محل شهادة الكل، و له احساس عميق بالكرامة. امتدت حمايته هذه و غيرته لبناتي الاربع اللواتي يحبنه حبا جما، و في ذات الوقت يهابنه. اما التوأم الصادق و شريف فهو مثالهم الاعلى. اخوانه من الام الثانية جميعهم ايضا خريجو جامعات منهم الطبيب و القانوني.

علاقة وود و عمي يول كانت علاقة مميزة. لمست فيها دوما حب وود العظيم لابيه و اعتزازه به، و افتخار كل منهما بالآخر. و رغم ان عمي يول كبير اسرته و احد مراجعها الا ان ابنه وود كان مستشاره الاول. و قد اخبرني عمي يول بفخر كيف ان وود بكر اولاده تحمل معه المسئولية باكرا، و لم يخفي قط اعجابه به، و تمييزه له.

كنت في اجتماع مشترك بين حزب الامة القومي و المجلس المركزي لقوى الحرية و التغيير في منزل ا. ابراهيم الشيخ المجاور لمنزلي عندما اخبرني عادل زوجي ان وود اتصل به ليخبره ان والده اغمي عليه و هو ماشي في الشارع وانه سيذهب ليكون معه، طالبا من عادل احضاري بعد نهاية الاجتماع، الذي قطعته حالما اخبرني عادل بما حدث.

عندما وصلنا المستوصف وجدنا ان الانسان اللطيف حلو الحديث و المعشر قد انتقل الى جوار ربه. و الصدمة و الالم تعصف بابنيه وود و اصغر اخوته الذي غطت وجهه الغض دموع صامتة. فشرع وود و عادل في عمل اجراءات اذن الدفن.

عندما نظرت الى الجسد المسجى في السرير ذو الملاءة الظهرية؛ وجدت وجهه باسما مطمئناً. و لولا الشاش المربوط حول رأسه لحسبته في غفوة. فقمت بمعاونة شقيق وود بتعديل وضع الجسد الفارع و تغطيته بالملاءة التي كان يرقد عليها، تسعفني في ذلك خبرة طويلة في التعامل مع الموتى و انا اردد الشهادة و قوله تعالى “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةَ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي[1]. ثم قرأت له القرآن: الفاتحة، الصمدية (احدى عشر مرة)، يس، الرحمن، الواقعة، تبارك، و كنت اهم بتلاوة البقرة؛ عندما بدأ الاهل في الوصول. الاهل؛ من اهلنا دينكا ابيي، و من جيرانهم من الشماليين الذين ربطت بينهم جيرة لعشرات السنوات فصاروا اكثر من اهل. و الجميع واجم من هول المصيبة و شدتها الا زوجه التي كانت تتلوى من الم الحزن و الفقد و الصدمة.

ألح اهلنا من دينكا ابيي في اخذ الجثمان الى ابيي ليدفن فيها، لما لعم يول من مكانة و وضع اجتماعي فيها، الا ان وود اصر ان يتم الدفن في الحاج يوسف حيث عاش عمي يول جل عمره. و الحمد لله صلى عليه جمع مقدر من اهله و جيرانه، و دفن في مقابر الحاج يوسف القديمة.
آلمني هذا الرحيل الخاطف و المفاجيء لعمي يول. و يؤلمني كثيرا الالم الكبير الذي وقع على وود و أميه و اخواته و اخوانه و كل الاسرة و الجيران. ادعو الله ان يلزم وود الصبر و يربط على فؤاده و يعطيه القوة لمواصلة مشوار والده الرحيم. و يتقبل الحبيب عمي يول و يجعله من السابقين ورثة جنة النعيم.

و لا حول و لا قوة الا بالله

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [2]

و الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ .

 

مريم المنصورة

 

______________________________________________________

[1] سورة الفجر الآية رقم (27_30)

[2] سورة البقرة الآية رقم (156)